القديس يوحنا كريستوم- أي صاحب الفم الذهبي. وقد ولد حوالي عام ٣٤٥ من أسرة شريفة، وتلقى فنون البلاغة في ليبانيوس، وألم بالآداب والفلسفة الوثنية، وكان الأحبار الشرقيون بوجه عام أغزر علماً وأكثر براعة في الجدل من أحبار العرب، وكان يوحنا رجلاً قوي الذهن حاد الطبع، أزعج أتباعه الجدد باصطناع الجد في المسيحية، والتنديد بمظالم العصر وفساده الخلقي بأصرح الألفاظ (٤٨). وصف المسرح بأنه معرض للنساء الفاجرات، ومدرسة للفسق والغوايات والدسائس. وأخذ يسائل سراة المسيحيين في العاصمة لِمَ ينفقون الكثير من أموالهم في الخلاعة والمجون، ولا يهبون الكثير منها إلى الفقراء كما أمرهم المسيح. ويعجب كيف يكون لبعض الناس عشرون قصراً وعشرون حماماً، وألف عبد، وأبواب من العاج، وأرض من الفسيفساء وجدران من الرخام، وسقف من الذهب؛ وينذر الأغنياء بعذاب النار لأنهم يحيون ضيوفهم بالبنات الفاسدات الراقصات (٤٩). وكان يلوم أتباعه من رجال الدين على حياة التبطيل والنعيم (٥٠). وعلى قيام النساء بخدمتهم في بيوتهم الكنسية مما يحمل الناس على الارتياب فيهم وإساءة الظن بهم. وقد أقال ثلاثة عشر أسقفاً من الخاضعين لسلطته لفساد أخلاقهم أو متاجرتهم بالدين، وأبن رهبان القسطنطينية لأنهم يقضون في الشوارع من الوقت أكثر مما يقضونه في صوامعهم. وكان هو نفسه يضرب أحسن الأمثلة في العمل بما يعظ به فلم يكن ينفق إيراد دائرته الدينية في المظاهر الكاذبة التي كانت من مميزات الأسقفيات الشرقية، بل كان ينفقها في بناء المستشفيات، ومساعدة الفقراء. ولم تسمع القسطنطينية قبله مواعظ تضارع مواعظه قوة، وبلاغة، وصراحة، فلم تكن مليئة بالمعنويات الدالة على التقى والورع، بل كانت سننا مسيحية تطبق تطبيقاً صارماً إلى أقصى حدود الصرامة.
"هل في الناس من هم أظلم من الملاّك؟ فأنت إذا نظرت إلى الطريقة التي يعاملون بها مستأجري أملاكهم رأيتهم أشد وحشية من البرابرة. فهم يفرضون