كله. وسجلات أولئك الزهاد حافلة بالرؤى والأحلام الجنسية، وصوامعهم تتردد فيها أصداء أنينهم وهم يقاومون المغريات الخيالية والأفكار الغرامية. وكانوا يعتقدون أن الهواء الذي يحيط بهم غاص بالشياطين التي لا تنفك تهاجمهم؛ ويبدو أن الرهبان قد وجدوا أن حياة الفضيلة في العزلة أشق منها لو أنهم عاشوا بين جميع مغريات المدن. وكثيراً ما كان الناسك تختل موازين عقله؛ فها هو ذا روفينس يحدثنا عن راهب شاب دخلت عليه في صومعته امرأة جميلة، فلم يستطع أن يقاوم سحر جمالها، ثم اختفت من فورها في الهواء كما ظن هو، فما كان من الراهب إلا أن خرج هائماً على وجهه، إلى أقرب قرية له، وقفز في فرن حمام ليطفئ النار المستعرة في جسمه. وتروي قصة أخرى عن فتاة استأذنت في الدخول إلى صومعة راهب مدعية أن الوحوش تطاردها فرضى أن يؤويها وقتاً قصيراً، ولكن حدث في تلك الساعة أن مست جسمه مصادفة، فاشتعلت نار الشهوة فيه كأن سني التقشف الطوال التي مرت به قد انقضت دون أن تحدث فيها أقل أثر، وحاول الراهب أن يمسك بها، ولكنها اختفت عن ذراعيه وعن عينيه. ويقول الرواة إن جماعة من الشياطين أخذت تغنّي وتهلل طرباً وتضحك من سقطته، ويقول روفينس إن الراهب لم يطق حياة الرهبنة بعد تلك الساعة؛ فقد عجز كما عجز بفنوس Paphnuce في مسرحية تييس Tuais لأناتول فرانس عن أن يبعد عنه رؤيا الجمال التي أبصرها أو تخيلها، فغادر صومعته وانغمس في الحياة المدنية، وسار وراء هذه الرؤيا حتى أوصلته آخر الأمر إلى الجحيم (٤٤).
ولم يكن للكنيسة النظامية سلطة على الرهبان في أول الأمر؛ وقلما كان أولئك الرهبان يحصلون على أية رتبة كهنوتية، غير أنها مع ذلك كانت تحس بأن تبعة إفراطها هذا واقعة عليها، فقد كان لها نصيب من المجد الذي ينالونه بأعمالهم. ولم يكن في وسع الكنيسة أن ترضى كل الرضا عن المثل العليا للرهبنة.