عقل العالم الغربي المسيحي بما بثوا فيه من تفكير المسلمين.
وكان اليهود في بلاد الإسلام يستخدمون اللغة العربية في حديثهم ونثرهم المكتوب، أما شعراؤهم فقد استمسكوا في شعرهم باللغة العبرية ولكنهم استخدموا فيه الأوزان العربية والصور الشعرية؛ وفي البلاد المسيحية كان اليهود يتحدثون بلغة الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، ويكتبون في آدابهم، ويعبدون يهوه بلسانهم القديم. وأخذ يهود أسبانيا بعد ابن ميمون يكتبون أدبهم باللغة العبرية بدل العربية بعد فرارهم من اضطهاد الموحدين. وقد استطاع اليهود بفضل جهود فقهاء لغتهم وإخلاصهم أن يحيوا اللغة العبرية من جديد؛ وكان قد تعذر عليهم فهم نصوص العهد القديم لعدم وجود الحركات المستقلة وعلامات الترقيم في اللغة العبرية، ولكن علماءهم استطاعوا بعد دراسة دامت ثلاثة قرون أن يضعوا النص المسورتي Masoretic (الذي قدسته التقاليد) وذلك بإضافة علامات للحركات، وإشارات للنبر، وعلامات للترقيم، وفواصل للشعر، وشروح الهوامش؛ وبفضل هذا العمل أصبح في مقدور كل يهودي بعد ذلك الوقت أن يقرأ كتبه الدينية.
واضطرتهم هذه الدراسات إلى وضع النحو العبري والمعجمات العبرية. ولفت شعر مناشة بن سروق (٩١٠ - ٩٧٠) وعلمه نظر حسداي بن شبروط، فاستدعاه الوزير العظيم إلى قرطبة وشجعه على وضع قاموس لألفاظ الكتاب المقدس العبرية. ووضع يهوذا بن داود حيوج (حوالي عام ١٠٠٠ م) النحو العبري على أساس علمي، في ثلاثة كتب باللغة العربية لغة الكتاب المقدس. وبزه في هذا العمل تلميذه يونا بن جناح (٩٩٥ - ١٠٥٠) السرقسطي حين وضع بالعربية كتابه في النقد الذي تقدم به النحو العبري والمعجمات العبرية خطوات واسعة. ووضع يهوذا بن قريش علم فقه اللغات السامية المقارن بدراسته اللغات العبرية، والآرامية، والعربية. وتقدم أبراهام الفارسي (حوالي عام ٩٨٠) اليهودي