القرائي خطوة أخرى على هذا العمل بوضعه معجماً أرجع فيه جميع ألفاظ كتاب العهد القديم إلى أصولها ورتبها على الحروف الأبجدية. وبز ناثان بن يحيل من علماء روما (المتوفي عام ١١٦٠) سائر علماء المعاجم اليهود بوضعه معجماً للتلمود. وفي نربونة ظل يوسف قمحي وولداه موسى وداود (١١٦٠ - ١٢٣٥) يعملون عدة أجيال في هذه الميادين، وظل محلول أو موجز Michlol داود قروناً عدة المرجع المعترف به في النحو العبري، وطالما أعان مترجمي الملك جيمس للكتاب المقدس (٣). تلك كلها أسماء اخترناها من بين ألف اسم من أدباء اليهود.
وأفاد الشعر اليهودي من هذه الدراسات الواسعة فتحرر من الصيغ العربية، وأنشأ أشكاله وموضوعاته الخاصة به، وأنتج في أسبانيا وحدها ثلاثة رجال يضارعون أي ثلاثة غيرهم من الأدباء المسلمين أو المسيحيين في عصرهم. وأول هؤلاء الثلاثة هو سليمان بن جبيرول المعروف في العالم المسيحي باسم الفيلسوف أفسبرون Avlcebron. وقد هيأته مأساته الشخصية لأن يكون هو المعبر عن مشاعر إسرائيل. وكان مولد هذا "الشاعر بين الفلاسفة والفيلسوف بين الشعراء" على حد قول هيني في مالقه حوالي عام ١٠٢١. وتوفي أبواه وهو صغير السن فنشأ في جو من الفقر نزع به إلى التفكير المكتئب. وأعجب بشعره يقويتايل ابن حسان وهو رجل كان يشغل منصباً رفيعاً في دولة-مدينة سرقسطة الإسلامية. وفي هذه المدينة وجد ابن جبيرول الحماية والهناءة إلى حين، وأخذ يتهنى بمباهج الحياة. ولكن بعض أعداء الأمير قتلوا يقويتايل فاضطر ابن جبيرول إلى الفرار من المدينة وظل عدة سنين يهيم على وجهه في بلاد الأندلس الإسلامية، فقيراً عليلاً، هزيلاً إلى حد "يسهل معه على ذبابة أن تحملني". وأولاه صمويل بن نجدلا، وهو شاعر مثله، حمايته وأواه في غرناطة وفيها كتب سلّمان كتبه الفلسفية وخص الحكمة بشعره: