أن يدافع عنه بالسيف لا باللفظ، ينفذه في بطن الآخر إلى أبعد مدى ينفذ فيه (١٦٤). وفي عام ١٢٥٤ نفى اليهود من فرنسا، وصادر أملاكهم ومعابدهم، ثم عاد فسمح بدخولهم إياها، ورد إليهم معابدهم، وبينما كانوا يعيدون بناء جماعاتهم إذ أمر فيليب الجميل Philip the Fair (١٣٠٦) بسجنهم، وصادر ما كان لهم من ديون، وجميع ما كان لهم من متاع لم يستثن إلا ما كان عليهم من الثياب، ثم طردهم جميعاً من فرنسا وكانوا يبلغون مائة ألف، ولم يسمح لهم بأكثر مما يكفيهم من الطعام يوماً واحداً. وقد بلغ ربح الملك من عمله هذا قدراً أغراه بأن يهدي معبداً يهودياً إلى سائق عربته (١٦٥).
وهكذا تجمعت طائفة متقاربة من الحوادث الدموية دامت نحو مائتي عام تكونت منها صورة ذات وجه واحد. ولم يقع على اليهود في برفانس Provence، وإيطاليا، وصقلية، والإمبراطورية البيزنطية بعد القرن التاسع إلا حوادث اضطهاد صغرى، واستطاعوا وقاية أنفسهم مها بالالتجاء إلى أسبانيا المسيحية، وكانت فترات الطمأنينة حتى في إنجلترا، وألمانيا، وفرنسا طويلة، وكان اليهود يكثرون مرة أخرى ويثري بعضهم بعد كل مأساة تنزل بهم. غير أن قصصهم كانت تنقل إليها ما كان لهذه الفترات المحزنة من ذكريات مُرة، وكانت أيام السلام مليئة بخوفهم من خطر المذابح الذي لا ينفك يهددهم، وكان على كل يهودي أن يحفظ عن ظهر قلب الدعاء الواجب عليه أن يتلوه في ساعة الاستشهاد (١٦٦). وكانت حمى السعي إلى جمع المال ترتفع حرارتها بقدر ما كان يحيق بكسبه من أخطار، وكان لابسو الشارة الصفراء يقابلون في الطرقات بسخرية الساخرين على الدوام، كما كان يحيق بهذه الأقلية المنعزلة العديمة الحول والطول تحقير يحز في نفوسها وبذل من كبرياء أفرادها ويقطع ما بينها وبين العناصر الأخرى من مودّة، ويترك في أعين يهود الشمال تلك النظرة المعروفة بأحزان اليهود Judenschmerz التي تذكرهم بعشرات المئات من الإهانات والاعتداءات ألا ما أكثر من صلبوا انتقاماً لحادث صلب وحيد!