أقام الثوار نظاماً جمهورياً في فرسنا لم يقيموه على طريقة الفلاسفة الفرنسيين بل أبطال بلوتارخ من اليونان والرومان. ولم تكن قبلتهم فرنيه، بل إسبارطة وروما الجمهورية.
أن الفلاسفة وفروا الإعداد الأيدولوجي للثورة. وكانت أسبابها اقتصادية أو سياسية، وعباراتها فلسفية، وقد تيسر للأسباب الأساسية للثورة أن تفعل فعلها بفضل عمل الهدم الذي قام به الفلاسفة لإزالة العقبات القائمة في طريق التغيير، مثل الإيمان بالامتيازات الإقطاعية والسلطة الكنسية، وحق الملوك الإلهي. فقد كانت كل الدول الأوربية حتى عام ١٧٨٩ تعتمد على معونة الدين في غرس قدسية الحكومات في النفوس، وحكمة التقاليد، وعادات الطاعة، ومبادئ الأخلاق؛ وكانت بعض جذور السلطة الأرضية مغروسة في السماء، واعتبرت الدولة الله رئيس شرطتها السرية. كتب شامفور والثورة تدور رحاها يقول إن "الكهانة كانت أول معقل للسلطة المطلقة، وقد أطاح به فولتير"(١٢٨). وذهب توكفيل في ١٨٥٦ إلى أن "سوء السمعة العام الذي انحدر إليه الإيمان الديني كله في نهاية القرن الثامن عشر كان له ولا ريب أعظم الأثر في سير الثورة برمته"(١٢٩).
ثم انتقلت الشكوكية التي مزقت اللاهوت القديم شيئاً فشيئاً إلى نقد المؤسسات والشئون العلمانية. وقد ندد الفلاسفة بالفقر والقنية كما نددوا بالتعصب والخرافة، وكافحوا ليقلصوا سلطان أمراء الإقطاع على طبقة الفلاحين. واعترف بعض النبلاء بقوة الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليهم، وفقد الكثير منهم الثقة في تفوقهم الطبيعي وحقوقهم المتوارثة. استمع إلى الكونت لوي-فيليب د سيجور":
"كنا نقاداً شديدي الاحتقار للعادات القديمة، ولكبرياء آبائنا الإقطاعية ومراسمهم المتزمتة … وشعرنا بالميل إلى أن نتبع في تحمس العقائد الفلسفية التي يجهر بها الكتاب الأذكياء الجسورون. واجتذب فولتير انتباهنا، ومس روسو قلوبنا … ولذنا خفية أن نراهم يهاجمون النظام القديم … فاستمتعنا في وقت واحد بمزايا طبقة النبلاء ومتع الفلسفة الشعبية" (١٣٠).