أننا سنصل يوماً ما إلى ذلك الحد … فإنه قبل أن يقع هذا كله سيكون تقدم العقل قد واكب تقدم العلوم، وتعصب الخرافة السخيف قد كف عن إفساد القانون الأخلاقي والحط منه بتعاليمه المنكرة … ولنا أن نفترض أنه إذا جاء ذلك الوقت فإن الناس سيعرفون أن عليهم واجباً قبل أولئك الذين لم يولدوا بعد، هو واجب تيسير السعادة لهم، لا مجرد العيش وكفى" (١١٩).
ولم يكن تفاؤل كوندورسيه تفاؤلاً أعمى تماماً. "ما زلنا نرى قوى التنوير لا تملك أكثر من جزء صغير جداً من العالم، والمتنورين حقاً وصدقاً تطغى عليهم كثرة جماهير الناس الذين مازالت تسيطر عليهم الجهالة والتعصب. ومازلنا نرى مناطق شاسعة يرزح فيها البشر تحت نير العبودية" (١٢٠). ولكن "صديق الإنسانية" يجب ألا يفقد الأمل أمام هذه المصاعب، فانظر إلى الكثير من الأشياء النبيلة التي أنجزت فعلاً، أنظر إلى التطور الهائل للمعرفة وحب المغامرة، فأي شيء يستعصي على هذه الإنجازات إذا اتصلت وانتشرت؟ وهكذا أختتم كوندورسيه كتابه برؤيا كانت سنداً له في الشدة، وبديلاً له ولآلاف غيره عن إيمان فوق طبيعي. وإلى القارئ الكلمة الأخيرة والمتوجة لحركة التنوير:
"كم تعزى الفيلسوف الذي يرثى للأخطاء والجرائم والمظالم التي ما زالت تلوث الأرض، والتي كثيراً ما يكون هو نفسه ضحيتها-لكم تعزيه هذه النظرة للنوع الإنساني، وقد تحرر من أغلاله، … يسير قدماً بخطى ثابتة مطمئنة على طريق الحق، والفضيلة، والسعادة. أن تأمل هذا المشهد هو الذي يجزيه عن الجميع ما بذل من جهود في إعانة تقدم العقل والدفاع عن الحرية .. وهذا التأمل ملاذ له لا تستطيع ذكرى مضطهديه أن تتبعه إليه. فهناك يحيا بالفكر مع الإنسان وقد رد له حقه وكرامته الطبيعيتان، وينسى الإنسان الذي عذبه وأفسده الجشع، أو الخوف، أو الحسد؛ هناك يحيا مع أترابه في جنة خلقها العقل، وجملتها أطهر اللذات التي عرفها حب البشر" (١٢١).
ولقد أوشك اعتراف الإيمان هذا أن يكون صرخة رجل شاعر بأن