فناً من الجدل يرتاب في كل نتيجة منطقية، وأدى ذلك في القرن التالي إلى نزعة بيرون وقرنيادس التشككية. وبعد أن مات إقليدس اتجه تلميذه النابه استلبون Stilpon بالمدرسة الميغارية شيئاً فشيئاً نحو النظرة الكلبية (Cynic) التي تقول: بما أن كل فلسفة يمكن دحضها، فإن الحكمة لا تكون في بحوث ما وراء الطبيعة، بل في الحياة البسيطة التي تحرر الفرد من الاعتماد في رفاهيته على العوامل الخارجية. ولما سأل دمتريوس بليوقريطس Demetrius Poliocretes بعد نهب ميغارا عن مقدار ما خسره استلبون أجابه ذلك الحكيم بقوله إنه لم يكُ يملك شيئاً غير المعرفة، وأن أحداً لم يغتصبها منه (٢٠). وكان من بين تلاميذه في آخر سني حياته واضع أسس الفلسفة الرواقية، ولذلك فإن من حقنا أن نقول إن المدرسة الميغارية قد بدأت بزينون واختتمت بزينون آخر.
وسافر أرستبوس الظريف بعد موت سقراط إلى مدن متفرقة، وقضى بعض الوقت في سلس Scillus مع أكسانوفون، ووقتاً أطول من هذا مع لئيس Lais في كورنثة (٢١)، ثم ألقى عصا الترحال في قورينة مدينته الأصلية القائمة على ساحل أفريقية. وكان ثراء الطبقات العليا في هذه المدينة النصف الشرقية قد كونا عاداته، فكان أكثر مما يتفق عليه مع مبادئ أستاذه هو قوله إن السعادة أعظم فضيلة. وكان أرستبوس وسيم الطلعة، دمث الأخلاق، بارعاً في الحديث، فشق بهذه الصفات طريقاً له في كل مكان. وتحطمت به سفينته قرب رودس واشتد عليه الفقر فيها، فذهب إلى مدرسة للتدريب الرياضي، وأخذ يخطب فيها، فافتتن به رجالها وقدموا له هو وأصحابه جميع وسائل الراحة؛ فلما فعلوا ذلك قال لهم إن الآباء يجب أن يسلحوا أبناءهم بثروة يستطيعون أن يحملوها معهم إلى البر إذا تحطمت بهم السفن (٢٢).
وكانت فلسفته بسيطة وصريحة؛ قال: إن كل ما نفعله إنما نفعله طمعاً في اللذة أو خوفاً من الألم - حتى إذا أفقرنا أنفسنا لخير أصدقائنا، أو ضحينا