ولكن صراع العقائد واصل طريقه في مرارة. والتزمت ماري مديسي بمرسوم نانت بأمانة على الرغم من تمسكها بعقيدتها، ولكن لا الكاثوليك ولا الهيجونوت كانوا يميلون للتسامح. وندد البابا وسفيره والأكليروس الكاثوليكي بالحكومة لتساهلها مع الهرطقة. وحيث كانت الغلبة للكاثوليك راحوا يشوشون على الخدمات البروتستنتية ويدمرون كنائس البروتستنت وبيوتهم وأحياناً حياتهم (٩)، وأخذوا الأطفال عنوة من آبائهم الهيجونوت بحجة أنهم يحولون بينهم وبين تحقيق رغبتهم في اعتناق الكاثوليكية (١٠). وحيث كان البروتستنت أصحاب الكلمة العليا ردوا على هذا بمثله. فحظروا ترتيل القداس في نحو ٢٥٠ مدينة خاضعة لهم (١١)، وطالبوا بأن تحرم الحكومة المواكب الكاثوليكية في البلاد البروتستنتية، وكانوا يسخرون من هذه المواكب ويشوشون عليها أحياناً يهاجمونها، ومنعوا البروتستنت من حضور شعائر العماد أو الزواج أو المآتم الكاثوليكية، وأعلن رعاتهم أنهم سيمنعون الآباء الذين يتزوج أبناؤهم من الكاثوليك من تناول القربان (١٢). قال مفكر حر مشهور "بينما كان الكاثوليك نظرياً أكثر تعصباً من البروتستنت، أصبح البروتستنت أكثر تعصباً من الكاثوليك (١٣) "، ونافس الوعاظ البروتستنت الكهنة الكاثوليك في قمع الهرطقة وتكميم النقد؛ فحرموا جريمي فيرييه (ولكنهم لم يحرقوه) و "أسلموه للشيطان " لأنه هزأ بالمجتمعات الكنسية، وهاجمت كتاباتهم المذهب الكاثوليكي في "كتب قل أن يكون لها نظير في مرارة الشعور، ويستحيل بالتأكيد أن تبزها كتب أخرى (١٤) " وخشي الهيجونوت إلغاء مرسوم نانت، وساءهم الحلف بين فرنسا وأسبانيا فناضلوا لكي يجعلوا نصيبهم من فرنسا مستقلاً سياسياً، آمناً حربياً، له جيشه وقوانينه الخاصة.