وقد كسب "مسيو فانسان " قلوب كل من عرفوه تقريباً برغم ما افتقر إليه من جاذبية الجسد، وما ارتداه من رث الثياب، وما في طلعته من شبه بمعلم ناموس يهودي ملتح مغضن الوجه، وذلك بفضل جهاده في سبيل الفقراء والمرضى والمجرمين. وقد جمع الأموال الكثيرة، وأنشأ المستشفيات، والملاجئ، والمدارس اللاهوتية، وبيوت الشيوخ، ومعتكفات العلمانيين والقساوسة؛ وقد تضخم حجم الحسابات التي تسجل خيراته. وخلال حرب الفروند التي نشبت بين عامي ١٦٤٨ و ١٦٥٣، وأثناء حصار باريس، أشرف على إطعام خمسة عشر الفاً من المعدمين؛ على أن التشبث بالعقيدة هنا غلب نوازع الخير، فقد تطلب اعتراف الشخص بالعقيدة الكاثوليكية شرطاً لنيله الطعام (٥). وانضم إلى الحملة على بور- رويال، ولكنه حاول التخفيف من اضطهاد راهباتها (٦). فلما مات ناح عليه نصف باريس، وكان شعور الارتياح شاملاً حين سلكته الكنيسة في عداد قديسيها (١٧٣٧).
وبفضل هذا الرجل، وبفضل فرانسوا سال، وبفضل اليسوعيين الذين لا يتطرق اليأس إلى نفوسهم، وبفضل الخدمة الصادقة التي قدمتها نساء لا حصر لهن، ولدت الكاثوليكية الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر ميلاداً جديداً يتميز بالقوة والروع. فعادت الطرق الديرية إلى نظمها، وأصلحت أديار الراهبات نفسها؛ وبدأ الآن بور- رويال وقديسوه الجانسنيون. ووجد التصوف نفراً جديداً من الداعين والممارسين للاستغراق في التأمل المباشر لله. أما الملك الشاب الذي انتقلت إليه حماسة العصر فقد وضع فرنسا في إجلال تحت حماية مريم العذراء، "حتى يكون الفردوس ثواب جميع رعاياه المخلصين … لأن هذه مشيئته الطيبة ومسرة نفسه (٧) " على حد قول المرسوم الملكي. واستمر الحراس يوقظون الباريسيين كل صباح كما ألفت فرنسا أيام العصور الوسطى بنداء للصلاة من أجل الموتى الراحلين: