الإكبار والتبجيل، وأصبحت التقوى هي الزي الفاشي في المجتمع حيناً من الزمن.
أما حياة ثاني الرجلين، وهو فانسان دبول، فقد سلكت مسالك أقل اتباعاً للتقاليد. ذلك أنه بدأ راعي خنازير، ولكنه بطريقة ما وجد سبيله إلى كلية فرانسيسكا بغسقونيا، وإذ كان أبوه- ككل أب كاثوليكي- تواقاً للظفر بثواب الآخرة لأسرته بتكريس أحد ابنائه للكنيسة، فقد باع زوجاً من الثيران ليرسل ولده إلى جامعة تولزو ليدرس اللاهوت، وهناك رسم فانسان قساً (١٦٠٠). وفي رحلة على بحر المتوسط أسره القراصنة وباعوه عبداً في تونس. ولكن هرب، وذهب إلى باريس، وأصبح قسيساً خاصاً لمارجو طليقة هنري الرابع، ثم أصبح المرشد الروحي لمدام جوندى. وبفضل المال الذي أعانته به هذه السيدة نظم البعثات التبشيرية بين الفلاحين، وبعد كل بعثة تقريباً أسس "ميرة " لإغاثة فقراء الناحية، ورغبة في استمرار هذه المؤسسات نظم "جماعة قساوسة البعث "- ويطلق عليهم أحياناً كثيرة اسم "اللعازريين " نسبة إلى دير القديس لعازر الذي استخدموه مقراً رئيسيا لهم في باريس. ولما كان المسيو جوندي قومتدانا لسفن تشغيل المجرمين الفرنسية فقد اضطلع فانسان بالتبشير للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة في هذه السفن. وإذ روعته شدائدهم وأمراضهم, فتح لهم المستشفيات في باريس ومرسيليا، وأيقظ ضمير فرنسا لتعامل المسجونين معاملة أفضل. ثم أقنع النساء الميسورات بأن يقمن بالخدمة في المستشفيات بين الحين والحين، وجمع المبالغ الطائلة لتوزيعها على شئون البر؛ ورغبة في التصرف في هذه الأموال، وفي إعانة جماعة "سيدات البر " التي أنشأها، نظم عام ١٦٣٣ جماعة "أخوات البر "(وكان يفضل أن يدعوهن بنات البر) اللائي يخدمن الآن الانسانية وكنيستهن في أصقاع كثيرة من العالم.