كافراً مهزاراً، لكنه رغم هذا يدعو بقوة إلى الدين ويتهم الفلاسفة بأنهم يعملون للقضاء على الآلهة. لكن تصوير كليون ذي السلطان القوي تصويراً هزلياً، وكشف عيوب ديموس أمام ديموس نفسه يتطلبان شجاعة حقة؛ وتبين الخطر الشديد الذي يتهدد حياة أثينة من جراء اتجاه الدين والأخلاق من التشكك السوفسطائي إلى الفردية الأبيقورية، نقول إن تبين هذا الخطر يتطلب كثيراً من الفطنة ونفاذ البصيرة. ولعل أثينة كان يصلح حالها لو أنها عملت ببعض نصائحه، ولم تشتط في نزعتها الاستعمارية، وعقدت صلحاً مبكراً مع إسبارطة، وخففت بزعامة أرستقراطية ما فشا في الديمقراطية التي قامت بعد عصر بركليز من فوضى وفساد.
ولقد أخفق أرسطوفان لأنه لم يكن جاداً في نصائحه إلى الحد الذي يحمله على العمل بها. وكان إسرافه في تمثيل الدعارة وفي الشتائم من الأسباب التي أدت إلى تحريم الهجو الشخصي؛ ومع أن القانون الذي صدر بهذا التحريم قد ألغى بعد قليل من الوقت، فإن "المسلاة القديمة" ذات النقد السياسي قد ماتت قبل موت أرسطوفان (٣٨٥)، وحلت محلها في مسرحياته الأخيرة نفسها "المسلاة الوسطى" مسلاة الأخلاق والغرام. لكن الحيوية التي كانت تمتاز بها المسلاة اليونانية قد اختفت باختفاء ما كان فيها من إسراف ووحشية، وظهر فليمون ومناندر واختفيا وعفا ذكرهما، أما أرسطوفان فقد ظل باقياً رغم تبدل المبادئ الأخلاقية والأنماط الأدبية، حتى وصل إلى عصرنا هذا ومعه إحدى عشرة مسرحية من مسرحياته الاثنتين والأربعين كاملة لم ينقص منها شيء. ولا يزال إلى هذا اليوم حياً في هذه المسرحيات رغم ما يعترض فهمها وترجمتها من صعاب. وإذا ما استطعنا أن نسد أنوفنا حتى لا يؤذيها فحشه وبذاءته استطعنا أن نقرأ مسرحياته بكثير من البهجة الدنسة.