يكون مرتجلاً. وتراه في بعض الأحيان يستنفد موضوع المسرحية الرئيسي قبل أن يبلغ منتصفها، ويتعارج ما بقي منها على عكازتي المجون والهزل حتى يصل إلى نهايتها. والفكاهة في العادة من النوع الدنيء؛ مثقلة بالجناس السهل الساذج، وتطول حتى لا يطيق الإنسان طولها، وكثيراً ما تستعار عباراتها من عمليات الهضم، والتكاثر، والتبرز. ففي مسرحية الأركانيين تسمع عن شخص لا ينقطع ساعة عن التبرز طيلة ثمانية أشهر (١٣١). وفي السحب نرى فضلات الإنسان الكبيرة تمتزج بالفلسفة العليا (١٣٢)، ولا تمر صفحة إلا نجد في التي تليها أردافاً، وصدراً، وغدداً تناسلية، وسفاداً، ولواطاً، واستنماءً، كل ذلك يعرض علينا (١٣٣)؛ ثم نراه يتهم منافسه الشيخ أقراطينوس Cratinus بسيأ البول ليلاً (١٣٤). وهو بهذا كله أكثر الشعراء القدامى شبهاً بأهل هذه الأيام لأن الإسفاف والبذاءة لا يختص بهما عصر من العصور. وإذا ما تحدثنا عنه بعد حديثنا عن مؤلف يوناني سواه - وبخاصة بعد حديثنا عن يوربديز - بدا لنا مسفاً إلى حد تشمئز منه النفس وتنقبض، حتى ليصعب علينا أن نتصور أن النظارة الذين يستمعون إلى أحدهما هم بعينهم الذين يستمعون إلى الآخر.
وإذا كنا محافظين صادقين أطقنا هذا كله، وحجتنا في ذلك أن أرسطوفان يهاجم التطرف بكافة أشكاله، ويستمسك مخلصاً بالفضائل والرذائل القديمة أياً كان نوعها. وهو على ما نعلم أحط الكُتاب اليونان جميعهم خلقاً، ولكنه يأمل أن يعوض هذا النقص بمهاجمة الفساد الخلقي، ونراه دائماً إلى جانب الأغنياء، ولكنه يشتهر بالجبن؛ ويكذب كذباً يؤسف على يوربديز حياً وميتاً، ولكنه يهاجم الغدر والخيانة؛ ويصف نساء أثينة بالفظاظة إلى حد غير معقول، ولكنه يشهر بيوربديز لأنه يفتري ويسخر بالآلهة سخرية جريئة (١). وإذا وازنا بينه وبين سقراط التقي لم نجد بداً من أن نصوره
(١) وقد ورد في أقواله: إن بعض الآلهة تقيم المواخير في السماء.