سبيل طلبه نفض عنه بعض إيمانه الديني، وتغيير الإهاب القديم على هذا النحو يخلف جسداً حساساً، وقد يزعزع الخلق حيناً. لذلك راح يوسف يتنقل من بلد إلى بلد مقتلع الجذور لا يستقر على حال. وانضم مؤقتاً وهو في القاهرة والآستانة إلى شيعة القرائين، وهم يهود رفضوا التقاليد والتنقيحات الكهنوتية (كالبروتستنت) وتمسكوا بالتوراة مصدراً أوحد للاهوتهم. وفي هامبورج وأمستردام وجد معلوماته الطبية أشد تخلفاً من معلومات الأطباء اليهود هناك، حتى لقد تحول في سبيل الرزق سنياً، والتحق بالحاخامية، وأخيراً دافع عن القبلانية ومات طبيباً مغموراً في براغ (١٦٥٥).
أما ليو بن إسحاق مودينا فكان إنساناً أكثر رهافة وعمقاً. اتخذ اسمه الإيطالي من المدينة التي هاجرت إليها أسرته عند طرد اليهود من فرنسا. وكان أعجوبة بين الأطفال، فقرأ الأنبياء في الثالثة، ووعظ في العاشرة، وألف أول كتبه المنشورة في الثالثة عشرة. والكتاب حوار ضد القمار، الذي كان ليو حجة فيه، لأنه ظل وفياً له إلى نهاية حياته. وكانت أعظم مقامراته زواجه في ١٥٩٠ وهو في التاسعة عشرة. أما أبناؤهم الثلاثة فقد مات أحدهم في السادسة والعشرين، وقتل الثاني في عراك، انصرف الثالث إلى حياة الفجور ثم اختفى في البرازيل. وماتت إحدى بنتيه وهو حي، أما الأخرى فبعد أن فقدت زوجها أصبحت عالة على أبيها الذي أصيبت زوجته بالجنون. ووسط هذه الصدمات حرم ليو لتماديه في لعب الورق. وكتب رسالة تثبت أن الأحبار تجاوزا الناموس في قرارهم، الذي عدلوا عنه سريعاً.
وكان أثناء ذلك قد ملك ناصية أدب التوراة والتلمود الرباني، ودرس الفيزياء والفلسفة، وكتب بالعبرية والإيطالية شعراً لا بأس به. فلما قبلته الحاجامية في البندقية، ألقى خطباً إيطالية كان فيها من العلم والبلاغة ما اجتذب كثيراً من المسيحيين إلى سماعه. وكلفه أحد أصدقائه المسيحيين، وكان نبيلاً إنجليزياً، بأن يكتب عرضاً للشعائر اليهودية. وقد انتهى ليو في كتابه هذا Historia dei riti ebraici " تاريخ الشعائر العبرية"(١٦٣٧) إلى أن كثيراً من المراسم التقليدية التي بعدت الآن عن هدفها الأصلي قد فقدت الكثير من دلالتها. وفي كتاب غفل من اسم المؤلف "قول صقل" اقترح تنقيح