الصلوات والطقوس العبرية وتبسيطها، وإلغاء قوانين الصوم، وخفض عدد الأيام المقدسة والتخفيف من صرامتها. وفي هذا الكتاب انتقد اليهودية الربانية لأنها مجموعة من التعقيدات التي لا مبرر لها أضيفت إلى الشريعة اليهودية الأصلية، وطالب بالرجوع من التلمود إلى التوراة، ولكنه مد هرطقاته إلى التوراة ذاتها، بل إلى الوحي الموسوي بأكمله. وقد ترك هذا التصريح الثوري دون نشر، فلما عثر عليه بين أوراقه بعد وفاته (١٦٤٨)، كان مصحوباً برسالة مرافقة تدافع عن اليهودية السنية. ولم ير أحد الكتابين النور حتى عام ١٨٥٢. ولو أن ليو اجترأ على نشر "قول صقل" في حياته، لبدأت حركة الإصلاح اليهودية نشاطها في القرن السابع عشر، ولكنه كان أشد ذكاء من أن يسبق التاريخ.
أما أشقى المهرطقين اليهود فهو أوريل أكوستا الأمستردامي. كان أبوه ينتمي لأسرة من المارانو أقامت في أوبورتو ولاءمت تماماً بين نفسها وبين المذهب الكاثوليكي. وتلقى جابرييل-وهو اسمه في البرتغال-العلم على يد اليسوعيين الذين روعوه بمواعظهم عن الجحيم، ولكنهم شحذوا ذهنه بالفلسفة الكلامية. فلما درس الكتاب المقدس أثر فيه اعتراف الكنيسة بالعهد القديم كلمة الله، وقبوله المسيح ورسله الاثني عشر لناموس موسى. وانتهى إلى أن اليهودية من الله، وتشكك في حق القديس بولس في سلخ المسيحية عن اليهودية، وصمم أن يعود إلى دين أجداده في أول فرصة. فأقنع أمه وأخوته (وكان أبوه قد مات) بالانضمام إليه في محاولة للزوغان من ديوان التفتيش والهروب من البرتغال. ووصلوا أمستردام بعد أن جازوا مخاطر كثيرة (حوالي ١٦١٧) وهناك غير جابرييل اسمه إلى أوريل، وأصبحت الأسرة أعضاء في مجمع اليهود البرتغاليين.
بيد أن هذه الروح ذاتها التي حدت به إلى ترك الكنيسة، روح التقصي والتفكير المستقل، جعلته قلقاً لا يحس بالاطمئنان النفسي داخل عقائد المجمع التي لا تقل صرامة عن عقائد الكنيسة، فقد صدمه إدمان الأحبار، حتى أحبار أمستردام المثقفين، لسخافات القبلانية الفكرية، فوبخ شركاءه الجدد بجرأة على تلك الطقوس والنظم التي ليس لها أساس ظاهر في التوراة، والتي رآها تتعارض أحياناً تمام التعارض