هذه المؤلفات كلها ما هو خليق في هذه الأيام، ولكننا مهما أطنبنا في وصف آثارها في التفكير في العصور الوسطى فإنا لا يمكن أن نتهم بالمبالغة في هذا الوصف.
وأوحت إليه تقاليد أسرته أن يتنحى عن هذه الأعمال المغلقة على الإفهام، وأن ينزل إلى قسم الحياة السياسية. وارتقى في هذه الحياة رقياً سريعاً، فكان قنصلاً، ثم وزيراً، ثم سيد المناصب -أي رئيس وزراء (٥٢٢). وامتاز في هذه المناصب كلها بحبه للإنسان وبفصاحته، وكان الناس يشبهونه بدمستين وشيشرون. لكن العظمة تخلق للعظيم أعداء، فقد ساء الموظفين القوط في بلاط الملك ما رأوه من عطفه على السكان الرومان والكاثوليك، وأثاروا شكوك الملوك فيه؛ وكان ثيودريك وقتئذ في التاسعة والستين من عمره، ضعيف الجسم والعقل لا يدري كيف ينقل إلى خليفته حكماً مستقراً تتولاه أسرة قوطية أريوسية على امة تسعة أعشارها من الرومان، وثمانية أعشارها كاثوليك. وكان لديه من الأسباب ما يحمله على الاعتقاد بأن الكنيسة والأشراف يناصبانه العداء، وأنهما يترقبان موته بفارغ الصبر. وكان مما قوى هذه الشكوك أن جستنيان نائب الإمبراطور في بيزنطية أصدر مرسوماً يقضي بنفي جميع المانيين من الإمبراطورية، وتحريم جميع المناصب المدنية والعسكرية على جميع الوثنين والمارقين- بما فيهم جميع الأريوسيين ما عدا القوط. وظن ثيودريك أن هذا الاستثناء لا يقصد به إلا إضعاف حجته، وإن جستنيان فيه عند أول فرصة، ورأى أن هذا المرسوم جزاء غير عادل للحريات التي منحها أتباع العقيدة الكنسية الأصلية في الغرب. ألم يرفع إلى أعلى مناصب الدولة بؤيثيوس الذي كتب رسالة عن التثليث يعارض فيها العقيدة الأريوسية؟ وفي تلك السنة نفسها سنة ٥٢٣ أهدى إلى كنيسة القديس بطرس ماثلتين فخمتين من الفضة المصمتة دليلاً على مجاملته للبابا. لكنه مع هذا أغضب طائفة كبيرة من