للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُلكاً منظماً امتد من نهر الدنبير إلى بحر قزوين (بحر الخزر)، وشيدوا عاصمة لهم في مدينة إتيل itil على مصب نهر الفلجا Volga بالقرب من أستراخان الحاضرة، واعتنق ملكهم هو والطبقات العليا منهم الدين اليهودي وكانت تحيط بهم الدولتان المسيحية والإسلامية، ولكنهم فضلوا في أكبر الظن أن يغضبوا الدولتين بدرجة واحدة عن أن يغضبوا واحدة منهما غضباً يعرضهم للخطر، وأطلقوا في الوقت عينه الحرية الكاملة لأصحاب العقائد المختلفة، فكانت لهم سبع محاكم توزع العدالة بين الناس- اثنتان للمسلمين، واثنتان للمسيحيين، واثنتان لليهود، وواحدة للكفر الوثنيين. وكان يسمح باستئناف أحكام المحاكم الخمس الأخيرة إلى المحكمتين الإسلاميتين، إذ كانوا يرون أنهما أكثر عدالة من المحاكم الأخرى (٣٧). واجتمع التجار على اختلاف أديانهم في مدن الخزر تشجعهم على ذلك هذه السياسة المستنيرة، فنشأت هناك من ذلك تجارة منتعشة بين البحر البلطي وبحر قزوين، وأصبحت إتيل في القرن الثامن من أعظم مدن العالم التجارية. وهاجم الأتراك البدو خزاريا Khazaria في القرن التاسع؛ وعجزت الحكومة عن أن تحمي مسالكها التجارية من اللصوصية والقرصنة، وذابت مملكة الخزر في القرن العاشر وعادت إلى الفوضى العنصرية التي نشأت منها.

وجاءت من جبال الكربات في القرن السادس هجرة من القبائل الصقلبية إلى هذا الخليط الضارب في روسيا الجنوبية والوسطى. واستقرت هذه القبائل في وادي الدنيبر والدن، ثم انتشرت انتشاراً أرق إلى بحيرة إلمن Ilmen في الشمال، وظل أفرادها عدة قرون يتضاعفون، وهم في كل عام يقطعون الغابات ويجففون المستنقعات، ويقتلون الوحوش البرية، وينشئون بلاد أكرانيا. وانتشروا فوق السهول بفضل حركة من الإخصاب البشري لا يضارعهم فيها إلا الهنود والصينيون. ولقد كان هؤلاء الأقوام طوال التاريخ المعروف لا يقر لهم قرار- يهاجرون إلى بلاد القفقاس والتركستان، وإلى أقاليم أورال وسيبيريا، ولا تزال