وفي عام ٦٢٩ دخل مسلمو المدينة، البالغ عددهم ألفين، مكة مسالمين، وانسحبت قريش إلى التلال لتجنب الاحتكاك بالمسلمين، وطاف محمد وأتباعهُ في أثناء ذلك بالكعبة سبع مرات. ومس محمد الحجر الأسود بعصاه مظهراً له دلائل الإجلال، ولكنه نادى ونادى بعده المسلمون "لا إله إلى الله". وكان لمسلك المسلمين المنفيين وحسن نظامهم، ووطنيتهم، وتقواهم أعظم الأثر في نفوس أهل مكة، فأسلم من قريش عدد من ذوي المكانة من بينهم خالد بن الوليد وعمر اللذين صارا فيما بعد من أعظم قواد المسلمين. وعرضت بعض القبائل المجاورة على النبي أن يؤمنها على دينها نظير مساعدتها إياه في القتال؛ ولما عاد إلى المدينة رأى أنه قد أصبح له من القوة ما يمكنه من الاستيلاء على مكة عنوة.
ولم يكن قد مضى من الهدنة إلا عامان، ولكن إحدى القبائل المتحالفة مع قريش أخلت بشروط الهدنة فهاجمت إحدى القبائل المسلمة (١)، فجمع النبي عشرة آلاف رجل وزحف بهم على مكة، وأدرك أبو سفيان قوة المسلمين فسمح لهم بأن يدخلوا مكة بلا مقاومة. وكان جواب محمد جواباً كريماً، فقد أعلن عفواً عاماً عن جميع أهل مكة عدا اثنين أو ثلاثة من أعدائه، وحطم الأصنام التي كانت في داخل الكعبة وحولها، ولكنه ترك الحجر الأسود في مكانه وأجاز تقبيله. ونادى بمكة مدينة الإسلام المقدسة، وأعلن أنه لن يدخلها بعد ذلك اليوم كافر، وامتنعت قريش بعدئذ عن كل مقاومة مباشرة، وأصبح الرجل المضطهد الذي هاجر من مكة منذ ثمان سنين صاحب الكلمة العليا في حياتها.
(١) نقضت قريش الهدنة إذ ساعدت بالسلاح بني بكر-وكانوا قد دخلوا في عهد قريش-على بني خزاعة الذين دخلوا في عهد الرسول. بل إن نفراً من قريش قاتلوا بأنفسهم خزاعة في صفوف بني بكر، وجاء من خزاعة إلى الرسول من يطالبه بالنصر وفاء بالعهد، فكان لا بد من الاستعداد للمسير إلى مكة لفتحها. (ي)