للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي عام ٦٢٨ أرسل محمد إلى قريش يعرض عليهم الصلح، ويتعهد لهم بسلامة قوافلهم إذا رضوا أن يؤدي شعائر الحج في موسمه. وأجاب زعماء قريش بأنهم يشترطون لقبول هذا العرض أن يمضي قبله عام كامل من السلم، وأدهش محمد أتباعه بقبوله إياه (١)، ووقع الطرفان شروط هدنة تدوم عشر سنين، وحدثت بعدئذ غارة على يهود خيبر في مساكنهم الواقعة في الشمال الشرقي من المدينة على مسيرة ستة أيام منها، ودافع اليهود عن أنفسهم بأحسن ما يستطيعون من دفاع، وسقط منهم في أثناء ذلك ثلاثة وتسعون رجلاً، ثم سلم الباقون آخر الأمر، وسمح لهم بالبقاء في أماكنهم يزرعون الأرض، على شرط أن يسلموا جميع ممتلكاتهم ونصف محصولاتهم المستقبلة إلى الفاتحين. ولم يمس أحد من الباقين بسوء ما عدا زعيمهم كنانة وابن عمه فقد قطع رأساهما لأنهما أخفيا بعض ما يمتلكان، وضُمت صفية وهي فتاة يهودية في السابعة عشرة من عمرها كانت مخطوبة لكنانة (٢)، إلى نساء النبي.


(١) وقد عبر عمر بن الخطاب عن هذه الدهشة إذ أتى رسول الله فقال له: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال ‍ بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني. وحقاً لم يضيع الله رسوله فقد أمنت الدعوة الإسلامية وأخذت رسل الرسول تذهب بها آمنة للملوك ورؤساء العشائر، ثم كان بعد ذلك الفتح المبين بعد قليل من الزمان. (ي)
(٢) كان سبب سير الرسول إلى خيبر أن أهلها كانوا شديدي العداوة بالمسلمين يتربصون بهم الدوائر فكان من الحزم إبعادهم. وكان أمر النبي بقتل كنانة بن الربيع بسبب أنه كان عنده مال لبنيا النضير وجحده حين سئل عنه، والمسلمون في أشد الحاجة إلى المال للاستعداد للحرب، ثم إن الرسول دفعه إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة أي أنه قتله قصاصاً بأخيه، وهذا سبب آخر يجعل قتله أمراً مشروعاً. راجع أبن هشام ج‍٢ ص ٢٤. أما مسألة استيلاء المسلمين على نصف محصولات أهل خيبر المستقبلة فترجع إلى أنهم هم أنفسهم طلبوا إلى الرسول أن يعطيهم الأرض مزارعة على النصف مما تنتجه فصالحهم الرسول على ذلك لأنهم كما قالوا هم أنفسهم أعلم بها وأعمر لها. (ي)