للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هيرود أن تقنعه بأن مريمنى تأمر به لتدس له السم، فوجه هذه التهمة لزوجته أمام أعضاء المحكمة، فحكموا عليها بالإعدام ونُفّذ فيها الحكم. غير أن هيرود كان يرتاب في جريمتها، فجنّ جنونه في فرط الندم فترة من الزمان، وأخذ يردد اسمها جهرة، ويرسل خدمها ليستدعوها، واعتزل المناصب العامة، وآوى إلى الصحراء "يعذّب فيها نفسه أشد العذاب" حتى جيء به إلى قصره محموماً شارد العقل. واشتركت أم مريمنى مع جماعة آخرين في مؤامرة ترمي إلى خلعة، ولكنه استرد قواه العقلية وعرشه فجاءة، وأعدم المتآمرين. وبعد قليل من ذلك الوقت قدم له أنتباتر ابنه من زوجته الأولى أدلة تثبت وجود مؤامرة دبرها ولداه من مريمنى الاسكندر وأرستبولس، فعرض الأمر على مجلس مؤلف من مائة وخمسين رجلاً حكموا على الشابين بالإعدام (٦ ق. م). ولم يمضِ على ذلك عامان حتى اتهم نيقولاس الدشقي أنتباتر نفسه بأنه يتآمر على انتزاع العرش من أبيه. وأمر هيرود بابنه فجيء به إليه. "وأخذ يبكي ويذكر ما لقيه من النكبات على يد أبنائه" (١٦) وطاف بقلبه طائف الرحمة ساعة من الزمان أمر فيها بسجن ولده.

وكانت قوى الملك الشيخ في هذه الأثناء تنهار بأثير الحزن والمرض؛ فقد أصيب بداء الاستسقاء؛ والقروح، والحمى، والتشنج، والنفس الكريه الرائحة. وحاول أن يقتل نفسه بعد أن أحبط من المؤامرات لاغتياله، ولكنه منع تنفيذ قصده. ولما سمع أن أنتباتر يحاول إرشاء حراسه ليطلقوا سراحه أمر هيرود بقتله، ولم تمضِ على ذلك إلا خمسة أيام حتى مات هيرود نفسه (٣ ق. م) في التاسعة والستين من عمره مكروهاً من جميع شعبه. ويقول أعدائه عنه إنه "تسلل إلى العرش تسلل الثعلب، وحكم حكم النمر، ومات ميتة الكلب".