وحروب متقطّعة، تخبو نارها كلها تارة ثم تعود فتلتهب من جديد. يُضاف إلى هذا أن يهود يهوذا كانوا يحتقرون أهل الجليل ويصفونهم بالمروق من الدين، بينما كان أهل الجليل يحتقرون أهل يهوذا ويصفونهم بأنهم أرقّاء وقعوا في شراك أهل الشريعة. هذا إلى ما كان هناك من نزاع لا ينقطع بين أهل يهوذا والسامريين لأن هؤلاء يدعون أن يهوه لم يختر صهيون موطناً له بل اختار موطنه تل جرزين الواقع في بلادهم، وإلى رفضهم جميع أسفار الكتاب المقدّس ما عدا أسفار موسى الخمسة (١٥). وكان الذي يجمع بين هذه الأحزاب كلها هو كراهيتها لسيطرة الرومان، التي كانت تتقاضى من البلاد ثمناً باهظاً نظير ميزة السلم غير المحببة إليهم.
وكان يسكن فلسطين وقتئذ نحو مليونين ونصف مليون من الأنفس يقيم منهم في أورشليم وحدها نحو مائة ألف (١٩). وكان معظمهم يتكلمون اللغة الآرامية وكان كهنتهم وعلمائهم يفهمون العبرية؛ أما الموظفون والأجانب ومعظم المؤلّفين فكانوا يستعملون اللغة اليونانية. وكان معظم السكان يشتغلون بالزراعة، يحرثون الأرض ويسقون الزرع، ويعنون بالحدائق والكروم، ويرعون الضأن. وكانت فلسطين في حياة المسيح تنتج من القمح ما يكفي أهلها وتبقى منه فضلة تصدر منها إلى الخارج (٢٠). وكان بلحها، وتينها، وعنبها، وزيتونها، ونبيذها، وزيتها غالية الثمن يبتاعها الناس في جميع بلاد البحر الأبيض المتوسط؛ وكان أهلها لا يزالون يعملون بالأمر القديم الذي يحتّم عليهم أن يتركوا الأرض بوراً في السنة السبتيّة (١). وكانت الصناعات اليدوية وراثية في أغلب الأحيان، وكان الصنّاع ينتظمون عادة في طوائف. وكان اليهود يعظّمون العامل وكان معظم العلماء يعملون بأيديهم كما يعملون بألسنتهم. وكان الأرقاء أقل عدداً منهم في أي بلد آخر من بلدان البحر الأبيض المتوسط. وازدهرت التجارة الصغرى في البلاد، ولكن عدد التجار اليهود ذوي الثراء والتجارة الواسعة كان لا يزال قليلاً فيها.
(١) أي السنة السابعة التي تُترَك فيها الأرض للراحة. (المترجم)