من استعمال الآلات الزراعية استعمالاً رابحاً. وتخلفت التكنولوجيا الزراعية في فرنسا عن نظيرتها في إنجلترا. صحيح كان هناك مدارس زراعية ومزارع نموذجية، ولكن لم يفد منها غير قلة من المزارعين. ولعل ستين في المائة من الملاك الفلاحين كانوا يملكون أقل من الهكتارات الخمسة (نحو ثلاثة عشر فداناً) اللازمة لإعاشة الأسرة، واضطر الرجال للعمل فعلة أجراء على المزارع الكبيرة. وقد ارتفعت أجور فعلة المزارع اثني عشر في المائة بين ١٧٧١ و١٧٨٩، ولكن الأسعار ارتفعت في الفترة ذاتها خمسة وستين في المائة أو أكثر (١٧). ومع أن الإنتاج الزراعي ارتفع خلال حكم لويس السادس عشر، فإن الأجراء من الفلاحين ازدادوا فقراً، وألفوا برولتارياً ريفية كان في فترات العمالة الراكدة بمثابة معمل تفريخ ينتج حشوداً من المتسولين والمتشردين. وقد ذهب شامفور إلى أنه "لا جدال في أن بفرنسا سبعة ملايين رجل يتسولون، واثني عشر يعجزون عن التصدق"(١٨).
ولعل فقر الفلاحين قد بالغ الرحالة في وصفه لأن أول ما استرعى ملاحظتهم كان الأحوال الظاهرة؛ فهم لم يروا العملة والسلع المخبأة هرباً من عين مقدر الضريبة. وتتضارب التقديرات المعاصرة لهذه الفترة. فقد وجد آرثر ينج مناطق يعمها الفقر والتوحش والقذارة كما في بريتاني، ومناطق فيها الثراء والكبرياء كما في بيارن (١٩). ويمكن القول عموماً أن الفقر في ريف فرنسا عام ١٧٨٩ لم يكن مدقعاً كما كان في إيرلندة، ولا أسوأ منه في أوربا الشرقية أو في بعض الأحيان الفقيرة المزدحمة في المدن "الغنية" في وقتنا الحاضر، ولكنه كان أسوأ منه في إنجلترا أو في وادي بو المعطاء أبداً. وتشير أحدث الدراسات إلى أنه "كان هناك أزمة زراعية في نهاية النظام القديم"(٢٠). فإذا جاء القحط والمجاعة، كما حدث في ١٧٨٨ - ٨٩ بلغت معاناة الفلاحين لا سيما في جنوبي فرنسا مبلغاً لم ينج فيه نصف السكان من التضور جوعاً إلا بفضل الصداقات التي وزعتها الحكومة والكهنة.
وكان على الفلاح أن يدفع ما يفرض عليه أداؤه للدولة والكنيسة والنبلاء. ووقعت ضريبة التاي-أي ضريبة الأرض-كلها تقريباً على كاهله. وكان يقدم كل الرجال اللازمين لمشاة الجيش أو جلهم. وقد تحمل عبء