للحصول على الأسواق أو الحبوب، أو تكون أحلافاً متنافسة للسيطرة على المسالك البحرية. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على هذا الانفصال اختلاف أصول السكان. نعم إن اليونان كانوا يرون أنهم كلهم من عنصر واحد، ولكنهم كانوا شديدي الإحساس باختلاف القبائل التي كانوا ينتمون إليها - الإيولية، والأيونية، والآخية، والدُّورية - ومن أجل ذلك كانت أثينة وإسبارطة تحقد كلتاهما على الأخرى حقداً لا يقل عن حقد العناصر المختلفة في هذه الأيام. وقوى اختلاف الأديان الانقسامات السياسية، كما زادت هذه الانقسامات ما بين الأديان من اختلاف، فقد نشأ من الطقوس الدينية التي اختصت بها بعض الأماكن أو بعض القبائل أعياد خاصة، وتقاويم خاصة، وعادات، وشرائع، ومحاكم تختلف باختلاف المدن، بل إن هذه الطقوس قد أقامت في بعض الأحيان حدوداً بين المدن؛ وذلك لأن أحجار التخوم كانت فاصلاً بين ممالك الإله، كما كانت فاصلاً بين المجتمعات البشرية، لأن من الواجب المحتوم أن يكون دين الإقليم هو دين حاكمه cujus regio، ejus religio. وكانت هذه العوامل مجتمعة هي وعوامل أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هي التي أوجدت دول المدن اليونانية.
ولم يكن هذا طرازاً جديداً من النظم الإدارية، فلقد رأينا أنه كانت في بلاد سومر، وبابل، وفينيقية، وكريت، دول مدن قبل هومر وبركليز بمئات السنين أو آلافها، وكانت دولة المدينة من وجهة النظر التاريخية هي بعينها مجتمع القرية في مرحلة من الامتزاج أو التطور أعلى من مرحلته القروية - كان لها سوقها المشتركة، ومكان اجتماعها، ومجلس قضائها للفصل في منازعات الأهلين الذين يحرثون ما يجاورها من أرض زراعية؛ وكان أهلها من أصل واحد يعبدون إلهاً واحداً.
أما من الناحية السياسية فقد كانت دولة المدينة عند اليونان خير ما يستطيعون