قاموس بيل. ثم عاد إلى درس اللاتينية، وأحرز في ذلك بجهده وحده تقدماً أكثر مما أحرز من قبل على يد معلميه ووفق إلى أن يقرأ شذرات من فرجل، وهوراس، وتاسيتوس، وترجمة لاتينية لمحاورات أفلاطون. وطلع عليه لابروبير، وبسكال، وفنيلون، وبريفوست، وفولتير، وكأنهم رؤيا أدارت رأسه "لم يفتنا شيء مما كتبه فولتير"؛ والواقع أن كتب فولتير هي التي "أوحت إليّ بالرغبة في أن أتأنق في الكتابة، وحملتني على محاولة تقليد تلوينات ذلك الكتاب الذي فتنت به أية فتنة (٤٢) "وعلى غير وعي منه فقد اللاهوت القديم الذي كان من قبل إطار أفكاره، شكله وصرامته، فوجد نفسه يفكر دون رعب في عشرات الهرطفات التي كانت تبدو له في شبابه فاضحة شائنة. وحل محل إله الكتاب المقدس إيمان حار يوشك أن يكون مشوباً هو الإيمان بوحدة الوجود. هناك إله، نعم، والحياة بدونه لا معنى لها ولا يطيقها الإنسان، ولكنه ليس ذلك الإله الخارجي، المنتقم، الذي تصوره الناس القساة الجبناء؛ إنما هو روح الطبيعة، والطبيعة في صميمها جميلة، والطبيعة البشرية في أساسها خيرة. وعلى هذا الإيمان، وعلى بسكال، سيقيم روسو فلسفته.
وفي ١٧٤٠ وجدت له مدام دفاران وظيفة معلم خاص لولدي المسيو بونو دمابليه، رئيس بلدية ليون وافترق عنها دون لوم ولا عتاب من أحد الطرفين، وأعدت له ثياب الرحلة، وخاطت لها بعض الملابس بيديها اللتين كانتا فتنة له يوماً ما.