سوء حظها أنها كانت تعتز بالفلسفة، وكان من أثر المبادئ الخلقية التي استخلصتها من هذه الفلسفة إفساد الفضيلة التي أشار بها قلبها (٤٠).
ومات آنيه في ١٧٣٤. واستقال روسو من وظيفته في خدمة ملاحظ الإقليم، وتولى أعمال المدام وقد وجدها في حال خطيرة من الخلل تشرف على الإفلاس فحصل على بعض المال بتدريس الموسيقى، ـ وفي ١٧٣٧ آلت إليه ثلاثة آلاف فرنك استحقت له من ميراث أمه، فأنفق بعضها على الكتب، وأعطى الباقي لمدام دفاران. ثم لزم الفراش، فمرضته ماما بحنان. ولما لم يكن لبيتها حديقة فقد استأجرت (١٧٣٦) كوخاً في ضاحية يسمى الشارميت هناك "سارت حياتي سيراً هادئاً غاية الهدوء" ومع أنه "لم يكن يحب قط أن يصلي في قاعة" فإن الخلاء خارج الكوخ حفزه لشكر الله على جمال الطبيعة وعلى مدام دفاران، وللب البركة الإلهية على رباطهما. وكان يومها شديد التعلق باللاهوت الكاثوليكي مع شائبة حزينة من الجانسنية "فكثيراً ما عذبني خوف الجحيم (٤١) ".
وكان يقلقه اكتئاب هو ضرب من الوهم كان رائجاً في ذلك العهد. وقد خيل إليه أن هناك ورماً في غشاء قريب من قلبه، فقصد مونبلييه في مركبة البريد: وفي الطريق هدأ من اكتئابه بما زعم أنه تحقيق لوصال بمدام دلارناج (١٧٣٨) وكانت أماً لفتاة في الخامسة عشرة. فلما عاد إلى شامبري وجد أن مدام دفاران تجرب علاجاً مماثلاً، وأنها اتخذت عشيقاً جديداً لها من صانع باروكات شاب يدعى جان فنتسنريد. واحتج روسو؛ فقالت له إنه يسلك كالأطفال، وأكدت له أن في حبها متسعاً لاثنين باسم جان. ولكنه أبى أن "يحط من كرامتها على هذا النحو"، فاقترح عليها أن يعود إلى وضعه القديم. فزعمت أنها موافقة، ولكن استياءها من تخليه عنها بهذه السرعة أصاب محبتها له بالفتور. وأعتكف في شارميت وأقبل على دراسة الفلسفة.
ولول مرة (حوالي ١٧٣٨) وعى بنسائم "لتنوير" الهابة من باريس وسيريه. فقرأ بعض أعمال نيوتن، وليبنتز، وبوب، وقلب في متاهات