فتاة حسنة الطلعة تثير أشواقه وأحلامه، ولكنه تعلق على الأخص بسوزان سير. "مرة-وا أسفاه، مرة واحدة فقط في حياتي؟ لمس فمي فمها. إيه أيتها الذكرى؟ هل أفقدك في القبر؟ " وبدأ يفكر في الزواج منها، ولكنه اعترف لها قائلاً "ليس لدي ما أقدمه لك سوى قلبي (٤٤) " ولما لم يكن قلبه عملة قانونية، فإن سوزان قبلت يد غيره، وانكفأ روسو إلى أحلامه من جديد.
إنه لم يخلق ليكون عاشقاً ناجحاً ولا معلماً كفئاً.
"كان لدي من المعرفة القدر اللازم تقريباً لمدرس خاص … وبدا أن رقة طبعي الفطرية تهيئني لهذا العمل، لولا أن تعجل الأمور اختلط بهذا الطبع فإذا سارت الأمور رخاء ورأيت أن الجهود التي لم أضن بها أثمرت كنت ملاكاً، أما إذا أخفقت فقد كنت أنقلب شيطاناً. فإذا لم يفهمني تلميذاي تعجلت الشرح، وإذا أظهرا أي أمارات على الطبع المشاكس كان ذلك يستفزني استفزازاً يكاد يحملني على قتلهما .... وصممت على تركهما بعد أن اقتنعت بأنني لن أنجح أبداً في تعليمهما التعليم الصحيح. وتبين المسيو دمابليه هذا بالوضوح الذي تبينته به وأن كنت ميالاً إلى الاعتقاد بأنه ما كان ليطردني قط لولا أنني أعفيته من هذا العناء".
وهكذا استقل مركبة البريد قافلاً إلى شامبري بعد أن استقال وهو حزين، أو طرد طرداً كريماً. والتمس العزاء من جديد بين ذراعي ماما. فاستقبلته هي في تلطف وأفسحت له مكاناً على مائدتها مع عشيقها. ولكنه لم يكن سعيداً في هذا الموقف، فأغرق نفسه في الكتب والموسيقى، وابتكر طريقة للتدوين الموسيقي تستخدم الأرقام بدلاً من الرموز. ولما عزم على الذهاب إلى باريس وعرض اختراعه على أكاديمية العلوم أثنى الجميع على قراره. وفي يوليو ١٧٤٢ عاد إلى ليون ملتمساً خطابات تقديم إلى الأعيان في العاصمة. وأعطاه آل مابليه خطابات إلى فونتنيل