والكونت دكايلوس وقدمه بورد إلى الدوق درشليو. ومن ليون استقل المركبة العامة إلى باريس تداعب رأسه أحلام المجد.
وكانت فرنسا آنذاك مشتبكة في حرب الوراثة النمساوية (١٧٤٠ - ٤٨) ولكن الحرب كانت تدور رحاها على أرض أجنبية، وعليه فقد سارت باريس سيرتها الأولى وواصلت حياة المرح البهي والاضطراب الفكري، حياة المسارح الناطقة بمسرحيات راسين، والصالونات المتألقة بالهرطقات والسخريات، والأساقفة الذين يقرؤون فولتير، والشحاذين الذين ينافسون البغايا، الباعة الجوالين الذين ينادون على بضائعهم، والصناع الذين يبذلون العرق في سبيل لقمة العيش إلى هذه الدوامة أقبل جان-جاك روسو، وهو في الثلاثين من عمره، في أغسطس ١٧٤٢، وفي كيسه من المال خمسة عشر جنيهاً. واستأجر حجرة في فندق سان-كنتان بشارع الكوردلييه قرب السوربون-"شارع حقير وفندق تعس، وحجرة بائسة (٤٦) " وفي ٢٢ أغسطس قدم إلى الأكاديمية "مشروعاً عن علامات جديدة للتدوين الموسيقي". ورفض العلماء مشروعه في مجاملة لطيفة. وشرح له رامو رأيهم قائلاً "أن علاماتك حسنة جداً … ولكن عليها اعتراضاً، هو أنها تحتاج إلى إعمال الذهن، وهو أمر لا يمكن دائماً أن يرافق سرعة التنفيذ. أما موضوع علامتنا فيصور للعين دون تزامن مع هذه العملة" واعترف روسو بأن الاعتراض لا يمكن التغلب عليه (٤٧).
وأتاحت له خطابات التقديم التي أخذها معه ذلك الاتصال بفونتيل الذي كان هو في عامه الخامس والثمانين أحرص على طاقته من أن يأخذ روسو مأخذ الجد، والاتصال بماريفو الذي قرأ مخطوطة مسرحية روسو الهزلية "نارسيس" واقترح أن يدخل عليها تحسينات، وذلك رغم انشغاله بنجاحه روائياً وكاتباً مسرحياً وقابل الوافد الجديد ديدرو، الذي لم يكن بعد قد نشر أي مؤلف يؤبه به، وكان يومها يصغر جان-جاك بعام واحد.
"كان ولوعاً بالموسيقى، يعرفها نظرياً … وقد حدثني ببعض