نحو مائتي محلف أو ثلاثمائة في كل دور. أما القضايا الهامة كقضية سقراط مثلاً، فكانت تنظرها محاكم ضخمة مؤلفة من ألف ومائتي رجل. ولكي ينقص الأثينيون الرشوة والفساد في القضاء إلى الحد الأدنى كان أعضاء المحكمة الذين يوكل إليهم النظر في قضية ما يُختارون بطريق القرعة في آخر لحظة، وإذا كانت معظم القضايا لا يطول النظر فيها أكثر من يوم واحد، فإنا لا نسمع كثيراً عن الرشوة في المحاكم؛ ذلك أن الأثينيين أنفسهم كانوا يجدون صعوبة في إرشاء ثلاثمائة رجل في لحظة واحدة.
وكانت القضايا تتراكم في أثينة على الرغم من سرعة إجراءاتها، شأنها في هذا شأن المحاكم في جميع أنحاء العالم، وسبب ذلك أن الأثينيين كانوا كثيري التقاضي ولكي يقللوا من هذه الحمى كانوا يختارون محكمين بطريق القرعة من بين سجلات أسماء المواطنين الذين بلغوا سن الستين، وكان الطرفان المتنازعان يعرضان نزاعهما وأوجه دفاعهما على أحد هؤلاء المحكمين، يُختار كالقضاة بطريق القرعة في اللحظة الأخيرة. وكان كل طرف يؤدي إليه أجراً قليلاً؛ فإذا عجز عن الصلح بينهما فصل في النزاع بعد أن يحلف اليمين. وكان لكلا الطرفين بعدئذ أن يستأنف الحكم إلى المحاكم، ولكنها كانت ترفض عادة القضايا الصغرى التي عرضت للتحكيم. فإذا قبلت المحكمة أن تنظر في القضية كتب كلا الطرفين حجته وأقسم اليمين على صحتها، وكتب الشهود شهادتهم وأقسموا بأنهم صادقون، ثم تُقدم كل هذه الأقوال مكتوبة إلى المحكمة. وكانت توضع في صندوق خاص وتُختم، ويُفتح الصندوق بعد وقت ما وتُبحث القضية، وتصدر الحكم فيها هيئة تُختار بالقرعة. ولم يكن عند الأثينيين مدع عمومي، فقد كانت الحكومة تعتمد على المواطنين أن يَتَّهموا أمام المحاكم كل من يرتكب جريمة خطيرة ضد الأخلاق العامة أو الدولة. ومن هنا نشأت طائفة من "النمامين" دينهم وعملهم اتهام الناس، وقد تطورت مهنتهم هذه على أيديهم حتى أصبحت فناً من فنون اغتصاب أموال الناس لكف الأذى