عنهم. وكانوا في القرن الرابع يكسبون المال الكثير برفع القضايا - أو على الأصح بالتهديد برفعها - على الأغنياء لاعتقادهم أن المحاكم الشعبية لا تميل إلى تبرئة من يستطيعون أداء الغرامات الكبيرة (١). وكانت نفقات المحاكم تغطيها في الغالب الغرامات التي تفرض على من يدانون من المتقاضين. كذلك كان يُحكم بالغرامة على من يعجزون من المدعين عن إثبات ما يوجهون من التهم إلى خصومهم؛ فإذا لم ينالوا خمسة على الأقل من أصوات القضاة كانوا عرضة لأن يُحكم عليهم بالضرب بالسياط أو بغرامة كبيرة تبلغ ألف دراخمة (نحو ألف ريال أمريكي). وكان كل طرف من المتقاضين يدافع بنفسه عن قضيته، وكان عليه أن يعرض بنفسه قضيته للمرة الأولى. فلما أن تعقدت الإجراءات القضائية، وتبين المتقاضون تأثر القضاة بعض الشيء ببلاغة الألفاظ، نشأت عادة استخدام خطيب أو رجل بليغ متضلع في القانون، يؤيد المدعي أو المدعى عليه، أو يُحضّر باسم من يستخدمه وبالنيابة عنه خطبة يستطيع المتقاضي نفسه أن يقرأها أمام المحكمة، ومن هؤلاء المدافعين البلغاء نشأ المحامون. وفي وسعنا أن نتبين قدم المحاماة في بلاد اليونان من عبارة في أقوال ديوجين ليرتيوس Diogenes Laertius وهي أن باياس Bias، حكيم بريني Priene كان محامياً بليغاً في القضايا، وأنه كان على الدوام يحتفظ بمواهبه لمن كان الحق في جانبه. وكانت المحاكم تستخدم بعض هؤلاء المحامين ليشرحوا لها القانون Exegetai، وذلك لأن الكثير من القضاة لم يكونوا أكثر علماً بالقوانين من المتقاضين أنفسهم.
وكانت الأدلة تُقدم عادةً مكتوبة، ولكن كان على الشاهد أن يَحضُر بنفسه ويقسم بأن ما يشهد به صحيح دقيق حين يتلو كاتب الجلسة أو الجراماتيوس
(١) لقد شكى كريتو Crito أحد أصدقاء سقراط الأغنياء من أن الذي يرغب في أن يعيش عيشة هادئة مسالمة في أثينة يلقى في ذلك عناء كبيراً، ويقول: " يوجد في هذا الوقت بالذات أناس يرفعون قضايا عليّ، وليس ذلك لأني ظلمتهم، بل لأنهم يظنون أني أفضل أداء مبلغ من المال لهم عن تحمل عناء الإجراءات القانونية".