محاكم الملكة. وارتدى القضاة والمحامون في أثناء تأدية عملهم أردية تدل على الهيبة والوقار، وكأن عظمة القانون وجلاله يكمنان في خياطة الثياب.
وكانت المحاكم، بالإجماع، فاسدة. وعرف أحد أعضاء البرلمان قاضي صالح بأنه:"حيوان يمكنه أن يستغني بست دجاجات عن اثنا عشر قانوناً (٣٢) ". وطلب فرنسيس بيكون مغريات أكبر. وفي رواية شكسبير قال الملك لير الذي روعه الحزن:"اكسوا الخطيئة بالذهب، يتكسر سيف العدالة القاطع دون أن يؤذي أحداً (٣٣) "، ولما كان القضاة يعزلون وفق مشيئة الملكة فانهم حسبوا لهذا حسابه في أحكامهم، وقبض ذوو الحظوة لديها الرشوة ليغروها بالتدخل في قرارات الحاكم (٣٤)، وظل نظام المحلفين معمولاً به، إلا في تهمة الخيانة العظمى، ولكن غالباً ما كان القضاة أو موظفو التاج يخوفون المحلفين ويكرهونهم على قضاء مآربهم بالتهديد (٣٥)، وكان هناك توسع في تعريف تهمة الخيانة العظمى لتشمل كل عمل يهدد حياة صاحب العرش أو جلاله. وكان نظر مثل هذه القضايا أمام محكمة قاعة النجم ( The Star Chamber) - وهو مجلس شورى الملكة منعقداً على هيئة محكمة ليمارس سلطاته القضائية، وهناك كان المتهم محروماً من تحقيق المحلفين لقضيته أو المعارضة في أمر حبسه، أو من محام للدفاع عنه، بل كان عرضة للاستجواب المرهق أو التعذيب، وكان يحكم عليه عادة بالسجن أو الإعدام.
وقام قانون العقوبات على العوائق أكثر منه على المراقبة والكشف عن الحقيقة. ولما كانت القوانين ضعيفة فقد باتت العقوبات صارمة. وكان الإعدام هو العقوبة القانونية لأية واحدة من مائتي جريمة. منها الابتزاز بالتهديد، وقطع الأشجار الصغيرة، وسرقة أكثر من شلن واحد. وبلغ متوسط من شنقوا بسبب الجريمة، سنوياً، في إنجلترا المبتهجة، في عهد إليزابث، ٨٠٠ شخص (٣٦). أما الجرائم الصغرى فكان عقابها التعذيب بالمشهرة والمخلعة والجلد بالسياط، وإحراق ثقب في الأذن أو اللسان أو إحدى الأذنين أو اليدين (٣٧). ولما كتب جون ستبز، وهو محام بيوريتاني، نشرة يستنكر فيها اقتراح زواج إليزابث من ألنسون،