الحرية سن في عام ٤٤٠ ق. م قانون يحرم التهجم على الأشخاص في المسلاة، لكن هذه الخطر ألغي بعد ثلاث سنين من ذلك الوقت وظل الكُتاب يستمتعون بحرية الكلام وحرية السباب كاملتين حتى في أيام حرب البلوبونيز، فكانت المسلاة اليونانية والحالة هذه تؤدي واجب الصحافة الحرة في الديمقراطيات الحديثة، أعني بذلك واجب النقد السياسي.
ونحن نسمع عن كثيرين من كتّاب المسالي قبل أرسطوفان، بل إن أرسطوفان نفسه - وهو ريليه العهد العظيم، قد نزل من عليائه فأثنى على بعضهم بعد أن انقشع عجاج المعارك التي احتدمت بينه وبينهم. ومن هؤلاء الكتّاب أقراطينوس Cratinus لسان سيمون Cimon الناطق، والذي أثار حرباً شعواء على بركليز ولقبه "الإله القادر ذا الرأس الشبيه ببصل الفأر (١) "(١٢٦). ولقد أنجانا الزمان الرحيم من قراءة مسرحيات هذا الكاتب … ومن هؤلاء السباقين أيضاً فركراتس الذي هجا في مسرحية الرجال الهمج التي كتبها حوالي ٤٢٠ ق. م الأثينيين الذين يعلنون أنهم يمقتون الحضارة ويتمنون العودة إلى الطبيعة. ألا ما أقدم البدع التي يبتدعها الناس في شبابهم! على أن أقدر منافسي أرسطوفان هو يوبوليس Eupolis، وقد تعاونا أولاً في العمل ثم تنازعا وافترقا، وأخذ كلاهما يهجو صاحبه أقذع الهجاء، ولكنهما مع ذلك اتفقا في حملتهما على الحزب الديمقراطي. وإذا كانت المسلاة قد عادت الديمقراطية طوال القرن الخامس فقد كان من أسباب هذا العداء أن الشعراء يحبون المال، وأن الأشراف كانوا أغنياء؛ لكن أكبر أسبابه أن وظيفة المسلاة اليونانية كانت تسلية الجماهير عن طريق النقد، وأن الحزب الديمقراطي كان وقتئذ صاحب السلطان. وإذ كان بركليز زعيم الديمقراطية يعطف على الأفكار الجديدة كتحرير المرأة والنزعة العقلية في الفلسفة فإن كتاب المسالي قد اتفقوا جميعاً، اتفاقاً يبعث على الريبة في مصدره، على مقاومة التطرف في جميع
(١) نبات بصلي يسمى أيضاً العنصل والسيقل Squill. (المترجم)