أهم العوامل التي عينت الخطوط الرئيسية لنماء الكنيسة المسيحية، فأتجه هذا النماء شرقاً من أورشليم إلى دمشق، والرها، ودورا، وسلوقية، وطشقونة؛ واتجه منها جنوباً عن طريق بصرى، وبطرا إلى بلاد العرب؛ وغرباً عن طريق سوريا، إلى مصر، وشمالاً عن طريق إنطاكية إلى آسية الصغرى وأرمينية؛ ومن إفسوس وترواس وراء بحر إيجة إلى كورنثة (كورنثوس) وتسالونيكي، وإلى درهكيوم وراء الطريق الإجناسي؛ ثم إخترق البحر الأدرياوي إلى برنديزيوم، أو عن طريق سلا وكربيدس إلى بتيولى وروما؛ وعن طريق صقلية ومصر إلى شمالي أفريقية، واخترق البحر الأبيض المتوسط أو جبال الألب إلى أسبانيا وغالة، ومنها إلى بريطانيا. ثم سار الصليب على مهل في أعقاب الحكم الروماني، وشق النسر الروماني، الطريق للمسيح؛ وكانت آسية الصغرى في ذلك الوقت حصن المسيحية الحصين، ولم يكد يحل عام ٣٠٠ حتى كانت الكثرة الغالبة من سكان إفسوس وأزمير من المسيحيين (٣٢). وعلا شأن الدين الجديد في شمالي أفريقية، فأضحت قرطاجنة وهبو مركزين رئيسيين للعلم والجدل المسيحيين، وفيهما وجد آباء الكنيسة اللاتينية العظام- ترتليان، وكبريان، وأوغسطين؛ وهنا اتخذت نصوص القداس اللاتينية وترجمة العهد القديم اللاتينية صورتيهما المعروفتين. وبلغ عدد الجالية المسيحية في روما قبيل آخر القرن الثالث نحو مائة ألف، وكان في وسع هذه الجالية أن تمد بمعونتها المالية غيرها من الجاليات، وكانت من عهد بعيد تطالب لأسقفها بالسلطة العليا على سائر الكنائس.
ويمكننا أن نقول بوجه عام إنه لم يحل عام ٣٠٠ بعد الميلاد حتى كان ربع سكان الشرق وجزء من عشرين جزءاً من سكان الغرب من المسيحيين. وفي ذلك يقول ترتليان (حوالي ٢٠٠): "يجهر الناس بأن الدولة مكتظة بنا، ذلك أن الخلائق على اختلاف سنهم، وأحوالهم، ومراتبهم، يهرعون إلينا، وينضوون تحت لوائنا. إنّا أبناء الأمس القريب ولكننا رغم هذا قد ملأنا العالم كله"(٣٣).