جميعاً وارثين لانتصار المسيح على الموت تعلن المساواة التامة الأساسية بين جميع بني الإنسان، وتجعل كل الفروق في المراتب الدنيوية أموراً عارضة تافهة؛ وقد وهبت البائسين، والمحطمين، والمحرومين، واليائسين، والأذلاء، جميعاً فضيلة الرحمة التي لم يكن لهم بها عهد من قبل؛ كما وهبتهم العزة والكرامة التي ترفع من قدرهم وتعلي شأنهم، ووهبتهم فوق ذلك وحياً وإلهاماً ينبعث من صورة المسيح وقصته ومبادئه الأخلاقية؛ وأضاءت حياتهم بما تبعث فيهم من أمل في ملكوت الله المقبلة، وفي السعادة الدائمة بعد الموت؛ ووعدت أشد الناس دنيوياً بالعفو عن ذنوبهم وبقبولهم في الناجين من العقاب في الدار الآخرة، أما العقول التي أقلقها طول البحث في المشاكل المعقدة كمشاكل أصل الحياة ومصير الإنسان والشر والآلام، فقد جاءت إليها بمجموعة من العقائد الموحى بها من عند الله تستطيع أكثر النفوس سذاجة أن تجد فيها السلوى والراحة العقلية؛ وجاءت إلى الرجال والنساء الذين يحيون حياة الفاقة والكدح بمباهج العشاء الرباني والقداس، وهما من الشعائر التي تجعل كل حادثة كبرى في الحياة منظراً خطيراً في مسرحية الله والإنسان؛ وجاءت إلى الفراغ الخلقي الذي خلّفته الوثنية المحتضرة، وإلى فتور الرواقية وفساد الأبيقورية، وإلى العالم الذي أنهكته علل الوحشية، والقسوة، والظلم، والفوضى الجنسية؛ وإلى الإمبراطوريّة الجانحة إلى السلم، والتي بدت في غير حاجة إلى فضائل الرجولة القوية أو إلى آلهة الحرب، جاءت إلى هذه كلها بقانون أخلاقي جديد قائم على الاخوة، والرحمة، والتأديب، والسلام.
وبعد أن تشكّل الدين الجديد بحيث يفي بحاجات الإنسان أخذ ينتشر بين الناس بما أوتي من قدرة على الذيوع والانتشار، فكان كل مَن اعتنق هذا الدين ينصب نفسه داعياً له بحماسة لا تقل في قوتها عن حماسة الثوار. وكان طرق الإمبراطوريّة الرومانية، وأنهارها، وشواطئ بحارها، ومسالكها التجارية