الشرقي. ذلك بأن المسيحية كانت في تلك القرون الأولى منهمكة في شئون الدار الآخرة انهماكاً يحول بينها وبين العناية بتزيين دار الدنيا. يضاف إلى هذا أنها سارت على السنة اليهودية سنة كراهية التماثيل، وخلطت بين التصوير وبين عبادة الأوثان، وذمت النحت والتصوير لأنهما في أكثر الأحيان يمجدان العرى، وكان من أثر هذه الآراء أن اضمحل الفن التشكيلي بنماء المسيحية، أما الفسيفساء فكانت أكثر انتشاراً، فكانت جدران الباسلقات وأماكن التعميد مرصعة برصائع من أوراق الأشجار وأزهارها وبخروف عيد الفصح، وصور من العهد القديم. وكان صور شبيهة بهذه تنقش نقشاً غير متقن على التوابيت. وكان المهندسون المعماريون في هذه الأثناء يعملون على تكييف الباسلقات اليونانية- الرومانية للوفاء بحاجات العبادات المسيحية؛ ولم تكن الهياكل الصغيرة التي كانت تضم الآلهة الوثنية نموذجاً صالحاً للكنائس المعدة لاستقبال الجماعات الكبيرة، أما صحن الباسلقات الرحب وطرقاتها فكانت صالحة لهذا الغرض، وكان قباءها قد أُعد لأن يكون هو المحراب؛ وفي هذه الأضرحة ورثت الموسيقى المسيحية على استحياء النغم، والوزن، والسلّم الموسيقي؛ وكان كثير من رجال الدين يعارضون في أن تغني النساء في الكنيسة، بل كانوا يعارضون في أن يغنين في أي مكان عام، لأن صوت النساء قد يثير رغبة دنسة في الرجل القابل للتهيّج على الدوام (٣١). لكن المجتمعين في الكنائس كثيراً ما كانوا يعبّرون بترانيمهم عن أملهم، وشكرهم، وبهجتهم؛ وأضحت الموسيقى على توالي الأيام أجمل الزينات، وأرقى الوسائل لخدمة الدين المسيحي.
وهذا الدين في جملته أعظم الأديان التي عرضت على بني الإنسان جاذبية؛ فهو يعرض نفسه دونما قيد على جميع الأفراد، والطبقات، والأمم؛ ولم يكن كالدين اليهودي مقصوراً على شعب بعينه أو على الأحرار في أمّة بعينها كما كانت الشعائر الرسمية في روما وبلاد اليونان، والمسيحية إذ تجعل الناس