والنفقات، فكان العمال يحفرون طرقات طويلة تحت الأرض مختلفة البعد عن سطحها، توضع فيها أجسام الموتى في دياميس بعضها فوق بعض ممتدة على جانبي هذه الطرقات. وسار الوثنيون واليهود على هذه السنة نفسها، ولعلهم فعلوا هذا ليسهلوا مشقة الدفن ونفقاته على الجمعيات التي كانت تقوم بهذه المهمة. ويبدو لنا أن بعض هذه الطرقات قد جُعلَت ملتوية عمداً وقد يبعث هذا على الظن بأنها كانت تستخدم مخابئ في أوقات الاضطهاد، فلما أن علا شأن المسيحية وانتصرت على أعدائها زالت عادة دفن الموتى في السراديب، وأضحت الدياميس أماكن معظمة يحج إليها الناس؛ وقبل أن يحل القرن التاسع سدت السراديب ونسيها الناس، ولم تكشف إلا بطريق المصادفة عام ١٥٧٨.
وهذه السراديب وما فيها من نقوش بارزة وظلمات وهي التي احتفظت بمعظم ما بقي لنا من الفن المسيحي الأول. فها هنا ظهرت في عام ١٨٠ الرموز التي أصبحت فيما بعد ذات شأن أيما شأن في المسيحية: اليمامة الممثلة للروح بعد أن تحررت من سجن الجسم؛ والفنقس (١) Phoenix الذي عادت الحياة إلى رماده بعد احتراقه، وغصن النخلة شعار النصر، وغصن الزيتون رمز السلام. والسمكة وقد ضمت إلى شعائر المسيحية لان اسمها اليوناني i-ch-th-u-s يتكون من الحروف الأولى من العبارة Jesous Christos thou uios soter- " يسوع المسيح ابن الله، المنقذ"، وهنا أيضاً نجد تلك الفكرة الذائعة الصيت، فكرة الراعي الصالح، ممثلة تمثيلاً صريحاً على تمثال لعطارد يحمل معزى. وتتمثل في هذه الرسوم أحياناً رشاقة رسوم بمبي، ونشاهد ذلك في الأزهار، والكروم، والطيور التي كان يزدان بها قبر دومتيان. وهذه النقوش في العادة من أعمال صغار الصناع المغمورين الذين يفسدون وضوح الخطوط اليونانية والرومانية بالغموض
(١) الفنقس طائر خرافي يقولون عنه إنه عاش خمسمائة عام وحيداً في البرية، وبعد أن حرق نفسه على كومة الحريق عادة الحياة إلى رماده، ولهذا كان يعد رمزاً للخلود. (المترجم)