ولقد كان فرض الكفارات هذا من الأنظمة التي يمكن أن يساء استخدامها لسهولة نيل المغفرة؛ ولكنه مع هذا يمد المذنب بقوة تمكنه من إصلاح نفسه، ويوفر على النفوس القلقة متاعب الندم العصيبة.
وكان الزواج في تلك القرون لا يزال من النظم المدنية؛ ولكن الكنيسة أضافت إليه ضرورة الحصول على موافقتها، وأخذت تطالب الزوجين به، فرفعت الزواج بهذا العمل من عقد زمني يستطاع حله إلى عقد مقدس لا يستطاع نقضه. وقبل أن يحل عام ٢٠٠ بعد الميلاد اتخذت عادة "وضع الأيادي" صورة "الرسامة الكهنوتية"، وبمقتضاها أصبح للأساقفة وحدهم حق رسامة القساوسة القادرين على إقامة القداس بصورته الصحيحة؛ ثم استمدت الكنيسة في آخر الأمر من رسالة يعقوب (٥: ١٤)"دهن المريض بالزيت المقدس بعد الموت" وهي البركة الأخيرة التي يتلقاها من القس حين يدهن في المسيحي المحتضر أعضاء الحس والأطراف، فيطهره مرة أخرى من الخطايا ويهيئه للقاء الله. ولو أننا حكمنا على هذه الشعائر بما كان يعزوه إليها القائمون بها والمؤمنون بقوتها، وأخذنا أقوالهم فيها بحرفيتها، لكان هذا منتهى السخف منا والجهالة، لكننا إذا أدركنا أنها تبعث في النفوس البشرية الشجاعة والإلهام، حكمنا من فورنا بأنها خير علاج للنفوس وأقربه إلى الحكمة.
وكانت طريقة الدفن المسيحية آخر ما تكرم به حياة المسيحي. ذلك أن من عقائد الدين الجديد عودة الحياة إلى الجسم والروح، ولهذا كان يُعنى بالميت أشد العناية، فيقوم قسيس بالخدمة الدينية للميت وقت دفنه، وتوضع كل جثة وحدها في قبر خاص؛ ثم أخذ المسيحيون حوالي عام ١٠٠ يتبعون العادات السوريّة والتسكانية القديمة فيدفنون موتاهم في سراديب- وأكبر الظن أن هذا لم يكن يقصد إخفائها بل كان رغبة منهم في الاقتصاد في الأمكنة