وعاهدها على ذلك واستولى بمعونتها على الجزة، وفر بها إلى سفينته ومعه ميديا ورجاله. وجرح الكثيرون منهم ولكن ميديا عالجتهم بالأعشاب والجذور. ولما وصل جيسن إلى بولكوس طالب بمملكته مرة أخرى، وتلكأ بلياس في إجابة طلبه، فما كان من ميديا إلا أن استعانت بفنون السحر فخدعت بنات يلياس وحملتهن على أن يغلين أباهن حتى يموت. وارتاع الناس من قواها السحرية فأخرجوها هي وجيسن من بولكوس وحرموه من العرش إلى أبد الدهر (١٣). ونترك بقية القصة إلى يوربديز.
إن الأسطورة في الكثير الغالب قطعة من الحكم الشعبية يخلق منها الشعر أشخاصاً. وكثيرا ما تكون الأسطورة قطعة من التاريخ تضخمت بفضل ما اتصل بها من قصص جديدة على مرّ السنين. وأكبر الظن أن اليونان قد حاولوا في الجيل السابق على حصار طروادة التاريخي أن يشقوا طريقهم في الهلسبنت ويفتحوا بلاد البحر الأسود للاستعمار والتجارة؛ وقد تكون قصة رجال السفينة أرجو ذكريات قديمة لهذا الارتياد التجاري صيغت في قالب المسرحيات؛ وقد تكون قصة "الجزة الذهبية" إشارة إلى الجلود الصوفية أو الأقمشة التي كانت تستخدم قديماً في شمالي آسية الصغرى للحصول على ما تحمله المجاري المائية من قطع ذهبية صغيرة (١٤).
ولقد استقر اليونان فعلاً حوالي ذلك الوقت في جزيرة لمنوس Lemnos التي لا تبعد كثيراً عن الهلسبنت. لكن البحر الأسود لم يكن من البحار الصالحة للتجارة والاستعمار رغم اسمه المغري، وقامت طروادة الحصينة مرة أخرى بعد أن انتهبها هرقل تعترض سبيل من يخاطرون باجتياز المضيق؛ ولكن اليونان لم ينسوا ما فعلوه من قبل وعادوا من جديد يحاولون اجتيازه بمائة سفينة بدل سفينة واحدة، وأهلك الآخيون أنفسهم في سهل إليون ليحرروا الهلسبنت.