للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيجر البرابنتي Siger de Brabant معتنق مذهب ابن رشد في الفردوس (٣٦). وفضلاً عن هذا فهو ينطق تومس بالثناء على الرجل الذي أثار ثائرة هذا العالم الديني الذي يكاد يصل إلى مرتبة الملائكة. غير أنه يبدو أن سيجر أنكر عقيدة الخلود الفردي الذي هو دعامة قصيدة دانتي؛ ولهذا فإما أن يكون التاريخ قد تعالى في وصف سيجر بالزيغ والضلال أو في وصف دانتي بالاستمساك بالدين.

وتؤكد الدراسات الحديثة ما استمده دانتي من المصادر الشرقية وبخاصة المصادر الإسلامية كقصة أردا فيراف التي تصف الصعود إلى السماء، ووصف الجحيم الوارد في القرآن، وقصة المعراج، ووصف الجنة والنار في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري؛ وفتوحات ابن عربي … ففي رسالة الغفران يصور المعري إبليس بعذب في الجحيم وهو مقيد بالأغلال، كما يصور الشعراء المسيحيين وغيرهم من "الكفرة" يعذبون فيها. وتستقبل صاحب القصة عند باب الجنة واحدة من الحور العين، اختيرت لترشده (٣٨). وقد رسم ابن عربي في الفتوحات الحياة الآخرة رسماً دقيقاً، ووصف الجنة والنار بأنهما فوق بيت المقدس وتحتها مباشرة، وقسم النار والجنة إلى سبع طبقات، وصور مكان الملائكة المسبحين حول النور القدسي- وصف ذلك كله كما ورد في الملهاة المقدسة لا يفترق عنه في شيء (٣٩) (ونقول هنا استطراداً إن ابن عربي كتب قصائد في الحب يفسرها المفسرون تفسيراً مجازياً دينياً)، ومبلغ علمنا أن شيئاً من هذه الكتابات العربية لم يكن قد ترجم قبل زمان دانتي إلى أية لغة يستطيع قراءتها.

وقد وردت في الآداب الدينية اليهودية والمسيحية غير المعترف بها أوصاف لرحلات أو رؤى في الجنة أو النار؛ ولا حاجة بنا إلى ذكر ما ورد في وصفهما في الكتاب السادس من إنياذة فرجيل. وتقول قصة أيرلندية إن القديس باتريك زار المطهر والجحيم، ورأى فيهما أثواباً وأحزمة من نار، والمذنبين معلقين فيها من أرجلهم، أو تلتهمهم الأفاعي أو يغطيهم الجليد (٤٠). ووصف قس إنجليزي