أدان فيه محكمة التفتيش وحكم على كل ضروب الإكراه للضمير بأنها منافية للمسيحية، ودافع عن جميع أنواع اللاهوت إلا الإلحاد (١٨).
وكان من سوء طالع البابوات في نصف القرن الثامن عشر هذا أن يضطروا إلى مواجهة مطالبة الملوك الكاثوليك بحل جمعية اليسوعيين كلية. وكانت الحركة المناهضة لليسوعيين جزءاً من صراع على القوة بين قومية الدولة الحديثة الظافرة، ودولية بابوية أضعفتها حركة الإصلاح البروتستانتي وحركة التنوير وصعود طبقة رجال الأعمال. ولم يلح أعداء الجمعية الكاثوليك إلحاحاً سافراً باعتراضهم الرئيسي عليها، وهو أنها دأبت على تأييد سلطة الباباوات باعتبارها فوق سلطة الملوك، ولكنه كرهوا أشد الكره أن يشكل قيام منظمة لا تعترف برئيس غير رئيسها، والبابا في الواقع داخل كل دولة عميلاً لسلطة أجنبية. وقد سلموا بغزارة علم اليسوعيين وتقواهم، وبإسهاماتهم في العلوم والأدب والفلسفة والفن، وبتربيتهم المثابرة الفعالة للشباب الكاثوليكي؛ وببطولتهم في البعثات الأجنبية وباستعادتهم كثيراً من الأرض التي فقدتها الكاثوليكية واستولت عليها البروتستنتية. ولكن التهمة التي وجهوها إلى الجمعية هي أنها كانت تتدخل المرة بعد المرة في الشؤون العلمانية؛ وأنها اشتغلت بالتجارة طمعاً في الربح المادي؛ وأنها غرست مبادئ الفتاوى التي تغتفر الفساد الخلقي والجريمة، وأغضت حتى عن قتل الملوك، وأنها سمحت للعادات والمعتقدات الوثنية بأن تعيش بين أتباعها المزعومين في آسيا؛ وأنها أساءت إلى الطوائف الدينية الأخرى وإلى كثير من الكهنة غير الرهبان، بحدتها في الجدل ونغمتها المشربة بالاحتقار. وأصر سفراء ملوك البرتغال وأسبانيا ونابلي وفرنسا على إلغاء الترخيص البابوي الخاص بالجمعية وعلى حل المنظمة رسمياً وفي كل مكان.
على أن طرد اليسوعيين من البرتغال في ١٧٥٩ ومن فرنسا في ١٧٦٤ - ٦٧، ومن أسبانيا ونابلي في ١٧٦٧، ترك الجمعية تواصل نشاطها وسط وشمالي إيطاليا، وفي سيليزيا وبولندا. وفي ٧ فبراير ١٧٦٨ طردوا من دوقية بارما البوربونية، وأضيفوا إلى حشد اللاجئين اليسوعيين في ولايات