ونعني به ألقميون Alcmaeon الذي يلقبونه الأب الحق للطب اليوناني (٤٥). ولكنه لم يكن في واقع الأمر إلا اسماً متأخراً في ثبت طويل من أسماء الأطباء غير الدينيين ضاعت أسماؤهم فيما وراء أفق التاريخ. وقد نشر هذا الطبيب في أوائل القرن الخامس كتاباً في الطبيعة Peri Physeos- وكان ذلك هو العنوان المألوف في بلاد اليونان لأي بحث عام في العلوم الطبيعية. ومبلغ علمنا أنه كان أول من حدد من اليونان موضع العصب البصري وقناة أستاخيو (١)، وشرح الحيوانات، وفسر فسلجة النوم، وقرر أن المخ هو العضو الرئيسي في عملية التفكير، وعرف الصحة تعريفاً فيثاغورياً فقال إنها التوافق بين أجزاء الجسم المختلفة (٤٦). وكان أكبر رجال الطب في نيدس هو يوريفرون Euryphron الذي كتب في الطب خلاصة موجزة تعرف باسم الجمل النيدية Cnidian Sentences، وقال عن التهاب البلورا إنه مرض من أمراض الرئتين، وإن الإمساك منشأ الكثير من الأمراض، وذاع صيته لنجاحه في عمليات التوليد (٤٧). وقامت حرب مشئومة بين مدرستي كوس ونيدس لأن النيديين لم يكونوا يحبون ولع أبقراط في أن يقوم "التشخيص" على معرفة طبائع الأمراض، ومن ثم أصروا على وجوب العناية بتصنيف الأمراض كلها تصنيفاً دقيقاً، وعلاج كل مرض منها بطريقته الخاصة. وتسرب في آخر الأمر، بنوع من العدالة الفلسفية، كثير من الكتابات النيدية إلى المجموعات الطبية الأبقراطية.
ويبدو أبقراط، كما تراه في سيرته الموجزة التي كتبها سويداس Suidas، أعظم أطباء زمانه بلا منازع. وقد ولد في جزيرة كوس في السنة التي ولد فيها دمقريطس، وأصبح الرجلان صديقين حميمين بالرغم من بعد موطنيهما، ولربما كان "للفيلسوف الضاحك" نصيب في توجيه الطب وجهة دنيوية. وكان