وكان في رومة عدد قليل من الرجال ذوي النزعة العلمية والولع بالعلوم، ومن هؤلاء فارو، وأجربا، وبمبنيوس ميلا Pomponius، وسلسس Celsus، ولكن علمهم لم يكن يتعدى نطاق تقويم البلدان، وفلاحة البساتين، والطب. أما فيما عدا هذا فلم يكن العلم الطبيعي قد انفصل بعد عن السحر، والخرافات، والدين، والفلسفة، وكان قوامه ما تجمع من المشاهدات والروايات؛ وقلما كان يشمل بحوثاً جديدة عن حقائق الأشياء، وكانت التجارب فيه جد نادرة. وبقي الفلك حيث تركه البابليون واليونان، فكان الوقت يقاس بالساعات المائية، وبالمزأول، وبالمسلة الكبرى التي اختلسها أغسطس من مصر وأقامها في ميدان المريخ؛ وكان ظلها يقع على طوار نقشت عليه علامات من نحاس، تدل على ساعات النهار وعلى فصول السنة (٦٣). وكان النهار والليل يحددان بشروق الشمس وغروبها، وينقسم كل منها إلى اثنتي عشرة ساعة، وبذلك كانت تطول ساعة النهار، وتقصر ساعة الليل في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء. وكان التنجيم من المعتقدات الشائعة التي يكاد يؤمن بها كل إنسان. وفي هذا يقول بلني ان الناس كلهم في أيامه (٧٠ م) - السذج منهم والمتعلمون - يعتقدون ان مصير الانسان يقرره النجم الذي يولد هو ساعة مطلعه (٦٤). وكانوا يؤيدون هذه العقائد بحجج طلية كقولهم إن نمو النبات، مرده إلى الشمس (١)، ولعل فصول التزأوج عند الحيوانات مردها إليها كذلك، وإن خصائص الناس الجسمية والخلقية تتأثر بعوامل المناخ التي تتأثر هي أيضاً بالشمس، وإن أخلاق الأفراد ومصائرهم لا تختلف عن هذه الظواهر العامة في أنها نتيجة لأحوال جوية لا نعرفها حق المعرفة. ولم يرفض أحد التنجيم إلا المتشككون أتباع الأقدمية المتأخرة الذين أنكروا ما يدعيه
(١) ان الكثيرين من الزراع في هذه الايام ينظمون زرعهم حسب أوجه القمر.