رجاله من علم، والمسيحيون الذين سخروا منه وأعدوه ضرباً من الوثنية. أما الجغرافية فكانت دراستها أكثر واقعياً وكان الغرض منها ان يستعان بها على الملاحة. وقد نشر بمبنيوس ميلا Mela Pomponius (٤٣ م) خرائط قسم فيها سطح الأرض إلى منطقة حارة في الوسط، ومنطقتين معتدلتين شمالية وجنوبية. وكان الجغرافيون الرومان يعرفون أوربا وشمالي آسيا الغربية، وشماليها الشرقي، أما سائر أجزاء العالم فكانت لديهم عنها أفكار غامضة، وأقاصيص خرافية غريبة. وقد وصلت السفن الأسبانية والأفريقية الصغيرة إلى جزائر مديرة Madeira وقناريا أو الخالدات (Canary) (٦٥) ، غير انه لم يقم في ذلك الوقت رجل مثل كولمبس ليحقق حلم سنكا.
وكان أوسع المنتجات العلمية الإيطالية وأكثرها دلالة على الجد، وأبعدها عن العلم الصحيح كتاب التاريخ الطبيعي Historia Naturalis (٦٧) الذي وضعه كيوس بلنيوس سكندس Caius Plinius Secondus. وقد قضى كيوس حياته كلها تقريباً جندياً، ومحامياً، ورحالة، وحاكماً، وقائداً للأسطول الروماني في غربي البحر المتوسط، ولكنه رغم هذه المشاغل كلها ألف رسائل في الخطابة، والنحو، والحرب، وكتب تاريخاً لروما، وتاريخاً أخر لحروب روما في ألمانيا، وسبعة وثلاثين "كتاباً" في التاريخ الطبيعي هي كل ما بقي من هذا الفيض العظيم من المؤلفات. أما كيف استطاع ان يفعل هذا كله في خمس وثلاثين سنة فيفسره خطاب كتبه ابن أخيه يقول فيه:
لقد كان سريع الفهم، متحمساً حماسا لا يكاد يصدقها العقل، وله القدرة على ترك النوم منقطعة النظير. وكان يستيقظ من نومه في منتصف الليل أو في الساعة الواحدة صباحاً، ولم يحدث قط أن ظل نائماً إلى ما بعد الساعة الثانية، ثم يبدأ عمله الأدبي … وقبل أن يطلع النهار يمثل بين يدي فسبازيان، وكان هو أيضاً يختار ذلك الوقت لتصريف شؤون الدولة. فإذا انتهى من الأعمال التي عهدها إليه الإمبراطور عاد إلى منزله وواصل الدرس. وكان يتنأول في الظهيرة … وجبة خفيفة لا تستغرق إلا القليل من