الوقت، فإذا كان الفصل صيفاً … فإنه كثيراً ما يستريح قليلاً في الشمس؛ ولكنه كان في أثناء ذلك يستمع إلى كتاب يقرأ له، ويقتبس منه بعض عبارات، ويكتب عنه بعض مذكرات … وتلك كانت عادته في كل ما يقرأ. وكان بعد ذلك يستحم عادة بالماء البارد، ويتنأول بعض المرطبات الخفيفة، ويستريح قليلاً، ثم يواصل الدرس حتى موعد العشاء، كأنه يبدأ يوما جديداً. وفي أثناء العشاء يقرأ له كتاب آخر يكتب عنه مذكرات … تلك كانت خطته في الحياة وسط ضجيج المدينة وصخبها. أما في الريف فكان يقضي وقته كله في الدرس اللهم إلا حين كان يستحم فعلاً. وحتى في ذلك الوقت الذي كان يدلك فيه جسمه ويجفف كان يستمع فيه إلى كتاب يقرأ له أو يملي هو شيء من عنده. وكان يرافقه في أسفاره على الدوام كاتب ملم بطريقة الاختزال يجلس معه في عربته أو في هودجه … وقد لامني في يوم من الأيام على المشي وقال لي:"لم يكن لك ان تضيع هذه الساعات" لأنه كان يرى أن كل وقت لا يصرف في الدرس وقت ضائع (٦٦).
وكتابه هذا في جملته وتفصيله دائرة معارف كتبها رجل واحد، وجمع فيها خلاصة علم زمانه وأخطائه. زفي ذلك يقول:"إن الغرض الذي أرمي إليه هو أن أعرض وصفاً عاماً لكل ما نعرف أنه موجود على سطح الأرض"(٦٧). فهو يبحث في عشرين ألف موضوع ويعتذر عما تركه من الموضوعات الأخرى، ويشير في هذا الكتاب إلى ألفي مجلد كتبها ٤٧٣ مؤلفاً، ويعترف بدينه إلى من رجع إليهم من الكتاب ويذكر أسمائهم جميعا بصراحة لا نظير لها في الأدب القديم، ويشير عرضاً إلى انه وجد أن كثيراً من المؤلفين نقلوا أقوال من سبقوهم بنصها دون أن يعترفوا بهذا النقل. أما أسلوب الكتاب فثقيل ممل وان كان منمقاً في بعض المواضيع؛ ولكننا ليس من حقنا أن ننتظر أن تكون دوائر المعارف جذابة الأسلوب ساحرته.