ويقول لليونان ذوي النزعة الفردية إن من المستطاع ضم كثير من المدن والدول في إمبراطورية واحدة تستمتع بالنظام والسلم في الداخل، ويضرب لهم بلاد الفرس مثلاً. ولقد بدأ أكسانوفون كما بدأ فليب وهو يحلم بالفتح وبسطة الملك، وينتهي كما انتهى الإسكندر أسير حب الشعوب التي فكر في التغلب عليها.
وهو قصاص بارع، ولكنه فيلسوف وسط. وهو هاوٍ في كل شيء عدا الحرب، يبحث في مائة موضوع وموضوع، ولكنه يبحث فيها على الدوام بعقلية العسكري. وهو يبالغ في مزايا النظام، ولا يجد كلمة يقولها عن الحرية؛ وفي مقدورنا أن نستدل من هذا على مقدار ما بلغه الاضطراب في أثينة. وإذا كان القدامى قد وضعوه في مرتبة هيرودوت وتوكيديدز، فذلك راجع من غير شك إلى أسلوبه الذي يمتاز بصفائه الأتكي الساحر الطلي، ونثره السلس المتدفق المنسجم الذي وصفه شيشرون بأنه "أحلى من الشهد"(٢٢)، وإلى اللمحات الشخصية التي تُكسب الموضوع حياة وإنسانية، وإلى لغته ذات البساطة والثقافة التي تمكن القارئ أن يرى من خلال هذا الوسط الصافي الرأي أو الموضوع الذي يعالجه الكاتب. وإن الصلة التي بين أكسانوفون وأفلاطون من جهة وتوكيديدز وسقراط من جهة أخرى لشبيهة كل الشبه بالصلة التي بين أبليز وبركستليز من ناحية وبلجنوتس من الناحية الأخرى - فقد بلغت أناقة الأسلوب والمهارة الفنية على أيديهما أعلى منزلتهما بعد عصر من الابتكار في التفكير وقوة الأسلوب.