عدا الزراعة والحرب، ولا يكتفي بشرح أسرار النجاح في الأعمال الزراعية، بل يشرح معها فن إدارة الرجل أملاكه وأملاك زوجته. ويحدثنا إسكوماكس في أسلوب لا يكاد يقل رشاقة عن أسلوب أفلاطون كيف علم عروسه أن تعنى بمنزلها، وتضع كل شيء في مكانه، وتسوس خدمها بالرفق من غير أن تختلط بهم وتفقد منزلتها في أعينهم، وتشتهر بين الناس، لا بجمالها المصطنع، بل بإخلاصها في أداء واجباتها بوصف كونها زوجة، وأماً، وصديقة. والزواج في رأي إسكوماكس - أكسانوفون رابطة اقتصادية وجسمية معاً، وهو يضمحل حين يقوم الشريك الصامت بالعمل كله. ولعل حديثه عن استعداد الزوجة الشابة لقبول هذا كله لا يعدو أن يكون أمنية يتمناها ذلك القائد الذي لم ينل نصراً ما في ميدان البيت؛ ولكننا لا يمنعنا مانع من أن نصدق كل شيء في القصة إلا أن إسكوماكس قد استطاع في لحظة وجيزة أن يقنع زوجته بترك المساحيق والأصباغ الحمراء (٢٠).
وبعد أن شرح أكسانوفون فن الزواج أخذ يصف في القيروبيديا (أي تربية قورش) مثله العليا في التعليم والحكم، كأنه يرد بها على آراء أفلاطون في الجمهورية. وكان أكسانوفون بارعاً في تكييف السير الخرافية لخدمة الفلسفة، فأخذ يروي قصة خيالية عن تعليم قورش الأكبر، وحياته، ونظامه الإداري؛ وهو يجعل القصة شخصية مسرحية، ويبعث فيها الحياة بحواره، ويجملها بما يدخله فيها من أقدم قصص الحب في الآداب التي كانت موجودة في زمانه. ويكاد يغفل في كتابه التربية الثقافية، ويركز اهتمامه في كيفية جعل الغلام رجلاً صحيح الجسم، قادراً، شريفاً؛ فالصبي يتعلم الألعاب الرياضية الخليقة بالرجال، وفنون الحرب، وعادة الصمت والطاعة، ويتعلم أخيراً كيف يسيطر على مرءوسيه سيطرة قوية قائمة على الإقناع. ويرى أكسانوفون أن خير أنواع الحكم هو الحكم الملكي المستنير الذي تؤيده وتحد منه أرستقراطية متخصصة في الأعمال الزراعية والشئون الحربية. وهو يعجب بقوانين الفرس التي تقضي بمكافأة المحسن وعقاب المسيء (٢١)،