الأساطير، والخرافات، والمعجزات، والفأل، والطيرة، والعفاريت، والهولات، والسحر، والتنجيم، والتنبؤ بالغيب، وهي العقائد التي لا تنتشر إلا في عصور الفوضى والخوف. كل هذه كانت توجد في العالم الوثني، ولا تزال توجد في هذه الأيام، ولكنها يخفف من حدتها فكاهة المدنية والعقول المستنيرة. وكانت ذات سلطان قوي عند الأقوام الساميين، وأضحت لها الغلبة بعد أيام ابن رشد وأبن ميمون، وحطمت فيما بين القرن السادس والقرن الحادي عشر أسوار الثقافة في غربي أوربا، وغمرت عقول الناس في العصور الوسطى في بحر زاخر من الآراء الغامضة الخفية والسذاجة التي تصدّق كل ما يقال مهما كان بعيداً عن المعقول. وحسبنا أن نذكر مثلاً لذلك أن أوغسطين كان يعتقد أن آلهة الوثنيين لا تزال موجودة في صورة عفاريت، وأن جنّ الحراج وجنيّاتها حقيقة (١). كما كان أبلار يظن أن الشياطين تستطيع أن تقوم بأعمال السحر لمعرفتها الوثيقة بأسرار الطبيعة (٢). وكان ألفنسو الحكيم يؤمن بالسحر ويقبل النبوءات عن طريق النجوم (٣)، وإذا كان هذا هو اعتقاد أولك الرجال فكيف يشكّ فيه من هم أقل منهم شأناً؟
وتسربت طائفة كبيرة من الكائنات الخفية غير الطبيعية من الوثنية إلى المسيحية، وكانت في الوقت الذي نتحدث عنه لا تزال تتسرب إليها من ألمانيا واسكنديناوة وأيرلندة في صورة سَحَرة، وجن، ومردة، وجنيَّات، وأغوال، وهولات عجيبة، وشياطين وعفاريت تمتص الدماء. وظلت خرافات جديدة تدخل أوربا من بلاد الشرق؛ فكان الأموات يمشون في الهواء في صورة أشباح، وكان الخلائق الذين باعوا أنفسهم للشيطان يجوسون خلال الغابات والحقول كما كانت تجوس خلالها الذئاب؛ وكانت أرواح الأطفال الذين ماتوا قبل أن يعمدوا تغشى المستنقعات وتظهر للناس في صورة غاز المستنقعات المضئ؛ ولما أن رأى القديس إدمند رتش St. Edmund Rich جماعة من الغربان السود أدرك من