المتقن الذي لا يفوقه في الفلسفة الوثنية شيء. وما من شك في أن هذه السهولة في الجدل قد أسرف فيها إسرافاً كبيراً، وأنها ولدت الجدل المفعم بالجشو ولغو الكلام "والتفتيت المدرسي" الذي لم يثر عليه روجر بيكن وفرانسس بيكن وحدهما، بل ثارت عليه أيضاً العصور الوسطى نفسها. ومع هذا فإن كفة الخير في هذا التراث ترجح كفة الشر. ذلك أن "المنطق، وعلم الأخلاق، وما وراء الطبيعة" على حد قول كندورسية Condorcet " مدينة للفلسفة المدرسية بما فيها من دقة لا يعرفها الأقدمون أنفسهم "، كما يقول سير وليم هملتن إن (اللغات العلمية مدينة للفلسفة المدرسية بما فيها من إحكام ودقة تحليلية" (١٤٩)، وإن أكثر ما في العقل الفرنسي من صفات خاصة ينفرد بها عما عداه - وهي حبه المنطق، ووضوحه، ودقته - قد كوّنه المنطق أيام مجده في مدارس فرنسا أثناء العصور الوسطى.
وكانت الفلسفة المدرسية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر تقدماً ثورياً في التفكير البشري أو في إعادته إلى سابق عهده. ذلك أن التفكير " الحديث " يبدأ بنزعه أبلار العقلية، ويسمو إلى ذروته الأولى في وضوح تومس أكوناس ومغامراته، ويصاب بهزيمة مؤقتة على يد دنز أسكوتس، يفيق منها على يد أكاّم، ويستحوذ على البابوية حين يخضع ليو العاشر لسلطانه، وعلى المسيحية حين يقبض على إرزمس Erasmus، ويضحك بأعلى صوته في ربليه، ويبتسم في منتاني، ويصخب في فلنير، وينتصر متهكماً في هيوم، ويحزن على ما فاته من نصر في أناضول فرانس. ولقد كان الاندفاع وراء العقل في العصور الوسطى هو الذي أقام هذه الطائفة من الفلاسفة المتهورين ذوي الأسماء اللامعة والعقول الباهرة.