وبعد فقد كانت الفلسفة المدرسية مأساة يونانية تكمن في جوهرها الأسباب التي قضت عليها. ذلك أن في محاولتها إثبات الدين عن طريق العقل اعترافاً ضمنياً بسلطان العقل، وأن اعتراف دنز أسكوتس وغيره بأن الدين في القرن الرابع عشر إضعافاً أدى إلى نشوب الثورة على طول جبهة العقائد الكنسية. لقد كانت فلسفة أرسطو هدية يونانية للمسيحية اللاتينية، وكانت أشبه بجواد طروادة يخفي في باطنه ألف عنصر من العناصر المعادية لهذا الدين. ولم تكن هذه البذور التي نبتت منها النهضة والاستنارة هي "انتقام الوثنية" من المسيحية فحسب، بل كانت فوق ذلك انتقاماً للإسلام على غير علم منه. فقد غزت المسيحية بلاد فلسطين، وأخرجت المسلمين من أسبانيا كلها تقريباً، فنقلوا علومهم وفلسفتهم إلى أوربا الغربية، وكانت هذه العلوم والفلسفة قوة من القوى العاملة على تفكك المسيحية وتفرقها، وكان ابن سينا وابن رشد، كما كان أرسطو، هما اللذين بثّا جراثيم النزعة العقلية في أوربا المسيحية.
ولكن مهما يكن من عيوب المغامرة المدرسية فإن شيئاً منها لا يمكن أن يغشى لآلآها الساطع. لقد كانت مغامرة جريئة متهورة جرأة الشباب من إفراط في الثقة وإسراف في الجدل؛ وكانت صوت أوربا الجديدة الناقهة التي كشفت من جديد قوة العقل المثيرة. ولقد استمتعت الفلسفة المدرسية في خلال القرنين اللذين سمت فيهما إلى عليائها بحرية في البحث، والتفكير، والتعليم، لانكاد نجد ما يفوقها في جامعات أوربا في هذه الأيام، وذلك على الرغم من المجالس التي كانت تطارد الإلحاد وبالرغم من محاكم التفتيش؛ واستطاعت بمعونة فقهاء القانون في القرنين الثاني عشر والثالث عشر أن تشحذ عقول الغربيين بما صاغته من أدوات المنطق ومصطلحاته، وبالاستدلال الدقيق