الإمبراطورية يتألف كله تقريباً من جنود مرتزقة من البرابرة يؤتى بهم من مائة قبيلة ودولة، ويعيشون على النهب والسلب، ويحلمون بالثراء والاغتصاب؛ وكثيراً ما كانوا يشقون عصا الطاعة في أشد أزمات القتال، وكثيراً ما فقدوا ثمار النصر لاشتغالهم بجمع الغنائم والأسلاب، ولم يكن شئ يجمعهم ويؤلف بينهم، أو يشحذ هممهم إلا أداء أجورهم بانتظام أو خضوعهم لقواد عظام.
وكان بليساريوس، كما كان جستنيان، منحدراً من أسرة من الفلاحين الإليريين، ويذكرنا بالأباطرة البلقانيين_ أورليوس، وبروبوس، ودقلديانوس- الذين أنجو الإمبراطورية في القرن الثالث. ولسنا نعرف من أيام قيصر قائداً قبل بليسلريوس انتصر في وقائع كالتي انتصر فيها هذا القائد بمثل موارده القليلة من الرجال والمال. وما أقل من تفوقوا عليه في رسم الخطط الحربية أو الحركات العسكرية، وفي حب رجاله له وشفقته على أعدائه. ولعل مما يجدر ذكره في هذا المقام أن أعظم القواد - كالإسكندر، وقيصر، وبليساريوس، وصلاح الدين، ونابليون - قد وجدوا أن الرحمة أقوى من اسلحة الحروب، ولقد كان بليساريوس، كما كان أولئك القواد، ذا احساس مرهف وقلب رقيق يجعلان من الجندي محباً وإلهاً بمجرد فراغه من واجباته الدموية. ومصداق هذا أن بليساريوس كان يشغف بحب أنطونيا كما كان الإمبراطور يشغف بحب ثيودورا. وكان هذا القائد يتحمل خيانتها له، ولا يلبث أن ينسى غضبه من هذه الخيانة، وكان يصحبها معه في حروبه لكثير من الأسباب.
وكان أول ما نال من النصر في حروبه مع الفرس. ذلك أن الحرب قد تجددت بين الإمبراطوريتين بسبب المنافسة القديمة بينهما للسيطرة على الطرق التجارية المؤدية إلى أواسط آسية وبلاد الهند، وبعد أن جنحا للسلم مدى مائة وخمسين عاماً. وبينما كان بليساريوس يتابع انتصاراته المجيدة إذ أستدعى فجأة إلى القسطنطينية، وكان سبب استدعائه أن جستنيان عقد الصلح مع