للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلاد الفرس (٥٣٢) بأن أدى إلى كسرى أنوشروان ٠٠٠ ر ١١ رطل من الذهب، ثم أرسل قائده ليسترد أفريقية الوندال. وكان جستنيان قد استقر رأيه على أنه لا يستطيع الاحتفاظ بفتوح دائمة في بلاد الشرق لأسباب كثيرة: منها أن السكان سيظلون معادين له، وأن الحدود يصعب عليه أن يدافع منها. أما الغرب ففيه أمم اعتادت الحكم الروماني من عدة قرون، وهي تبغض سادتها البرابرة الخارجين على الدين، وتمد يد المساعدة للدولة الرومانية بالتعاون معها عليهم في الحرب وبأداء الضرائب لها في السلم. ومن أفريقية يستطاع أخذ الحبوب التي تسد أفواه أهل العاصمة فيسكتون عن توجيه اللوم للإمبراطور.

وكان جيسريك قد توفى بعد حكم دام تسعة وثلاثين عاما (٤٧٧)، وعادت أفريقية الوندالية بعد موته إلى معظم أساليبها الرومانية. فكانت اللاتينية لغتها الرسمية، وكان الشعراء يكتبون فيها شعراً ميتاً ليكرموا به الملوك المنسيين. وأعيد بناء دار التمثيل في قرطاجة، وعاد الأهلون يمثلون المسرحيات اليونانية (١٤)، ويعظموا آثار الفن القديم، ويقيمون مباني جديدة فخمة. ويصف بركبيوس الطبقات الحاكمة بأنها من رجال مهذبين متحضرين، تظهر عليهم في بعض الأحيان مسحة من البرنزية ولكنهم في الأغلب الأعم قد أهملوا فنون الحرب، وأخذوا يضعفون ويضمحلون شيئاً فشيئاً تحت أشعة الشمس (١٥).

واجتمعت في البسفور في شهر يونية من عام ٥٣٣ خمسمائة سفينة نقالة، وتسع وتسعون بارجة حربية، وتلقت أوامر الإمبراطور، وبركات البطريق، وأبحرت إلى قرطاجة. وكان بركبيوس من الذين صحبوا بليساريوس، وكتب وصفاً رائعاً "لحرب الوندال". ونزل بليساريوس في أفريقية بما لا يزيد على خمسمائة من الفرسان، واكتسح وسائل الدفاع الواهية عن قرطاجة، ولم تمض أكثر من بضعة أشهر حتى قضى على قوة الوندال. وعجل جستنيان فدعاه إلى